إميل أمين
كاتب مصري
TT

عالم فوق صفيح نووي ساخن

هل بات العالم يعيش بالفعل مخاوف جدية من حدوث صدام نووي بين القوى العظمى، ذات الإمكانيات النووية الكثيفة خاصة؟
الشاهد أنه في أعقاب نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ومع أوائل تسعينات القرن المنصرم، خيّل للناظر للمشهد الدولي أن شبح المواجهات النووية قد تراجع بعيداً جداً عن العالم، بل إن الأميركيين ساعدوا الروس في تفكيك بعض من أسلحتهم النووية، وفي المقابل خفضت واشنطن أيضاً من عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها، مما أعطى انطباعاً بأن الحرب النووية قد أصبحت حديثاً من الماضي... ما الذي جرى إذن في الأعوام الأخيرة وجعل الرعب النووي يسيطر على العالم من جديد؟
هناك في واقع الحال مفارقة غريبة، فقد اعتقد المراقبون لمشهد العلاقات الأميركية - الروسية، أنه سيتحسن بصورة كبيرة جداً غداة وصول دونالد ترمب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وذلك بسبب رؤيته الإيجابية للزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
غير أن الأمور سارت على نحو مغاير للتوقعات، وكانت الضربة الأميركية الأخيرة لسوريا، مدعاة للحديث عن احتمالات الصدام، وأحيت من جديد المخاوف المهلكة للزرع والضرع.
في الأيام القليلة الماضية تحدث ويليام بيري وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون لشبكة «CNN» الإخبارية الأميركية، وقد كان حديثه مقلقاً للقاصي وكذا للداني... ما الذي قاله «بيري»؟
الثابت أنه اعتبر أن احتمال وقوع كارثة نووية عالمية هو أكثر الآن من أي وقت مضى، بل إن محفزات الصراع النووي حول العالم، تتجاوز فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، وأيضاً أزمة الصواريخ الكوبية.
يؤكد بيري على أن الأسلحة النووية حول العالم اليوم تتجاوز خمسة عشر ألفا من الرؤوس المحمولة جوياً وبحرياً وصاروخياً، وأنها تكفي بالفعل لتدمير كوكب الأرض بأكمله.
الحديث عن تلك الساعة جرت به المقادير بعد الحرب العالمية الثانية، ويؤشر إما لاقتراب أو لابتعاد العالم من المواجهة النووية، فقد جاءت أوقات كما في الأزمة الكوبية في ستينات القرن الماضي اقتربت فيها عقارب الساعة من لحظة الخطر، وفي مرات أخرى كما في نهاية زمن الاتحاد السوفياتي تراجعت عقارب الساعة عن لحظة الصفر.
مؤخراً تحرك عقرب الساعة المعروف بساعة القيامة إلى ما نحو 2.5 دقيقة قبل منتصف الليل، ما يعني أن العالم أصبح أقرب بكثير إلى حافة وقوع كارثة نووية، مما كان في العام 1953 بعد أن اختبرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي القنابل الهيدروجينية.
في أحد تصريحاته المثيرة للخوف في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي قال الرئيس المنتخب وقتها «ليكن سباق أسلحة»، ويبدو أن الجانب الروسي، تحسب جيداً لهذه الدعوة، وعليه فقد بدأ الطرفان في مراجعة أوضاعهما النووية، ما يعني مرحلة جديدة من الصيانة لما هو موجود، ثم ابتكار ما هو غير موجود، وبين الأمرين تضيع ملامح ومعالم السلام العالمي... ما الذي يجري تحديداً؟
في أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي وفي مقابلة له لوكالة «رويترز» أشار الرئيس ترمب إلى أن الولايات المتحدة «تراجعت من حيث قدرات الأسلحة النووية»، وتعهد بأن تكون بلاده هي الأكثر تفوقاً، الأمر الذي دعا ستيفن شوارتر خبير الأسلحة النووية المستقل للتساؤل... «ترمب يقول إننا لا يمكن أن نتخلف في مجال القوة النووية... نتخلف عمن وكيف؟». وأضاف: «ليس واضحا لي ولا لكثير من زملائي» ما يتحدث عنه الرئيس عندما يتعهد بتوسيع قدرة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأسلحة النووية.. هل ترمب محق بشأن ترسانة بلاده النووية أم أنه مخطئ؟
أحد أهم التقارير التي نرتكز إليها في البحث عن جواب للسؤال المتقدم هو ذاك الذي قدمته مجلة «فورين بوليسي»، الأميركية الشهيرة، والتي أشارت إلى حقيقة مثيرة لقلق الأميركيين وهي أن البنية التحتية الداعمة لقيام الأسلحة النووية الأميركية قد بدأت فعليا في الانهيار لدرجة تثير الانتباه.
السؤال الآن قبل الانصراف: هل هناك ميادين أو ساحات مواجهة مرشحة بالفعل لأن تكون منطلقا لمواجهات نووية قادمة؟
واقع الحال السؤال يحتمل أكثر من جواب، فهناك جرح كبير، وإن شئت الدقة قل جراحاً في الشرق الأوسط، وما جرى في سوريا لا يقطع أحد بأن تكراره لن يقود لمواجهات لا يعرف أحد مداها أو منتهاها بين روسيا وأميركا.
هناك الداخل الأوروبي، حيث الدرع الصاروخية الأميركية يجد رفضاً روسياً، ويمكن أن تضحى أوروبا موقعا وموضعا لمواجهة نووية.
هناك كذلك بحر الصين الجنوبي، وهو منطقة صراع مرجحة لمواجهة نووية صينية روسية في مقابل أميركا... أما عن ساحة كوريا الشمالية فحدث ولا حرج.
الخلاصة: لقد بات العالم على صفيح نووي ساخن ينتظر الانفجار.