مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

نصيحة الأب الكرملي لحيدر العبادي

طالب رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أخيراً، شيعة العراق، بأن يفهموا أن العراق لكل العراقيين وأنه يسعهم كلهم.
نتمنى أن تفلح دعوته الراقية وتنجح، ففي هذا خير للعراق والعراقيين وجيران العراق، وفيه انتصار للإنسان في داخل كل عراقي.
كأن أهل العراق، للتو يكتشفون تنوعهم الطائفي والديني والقومي! والتاريخ يحدثنا عن تعايش الناس منذ القدم في العراق جنباً إلى جنب.
من أمثلة ذلك، علامة العراق بل العرب، الأب أنستاس ماري الكرملي، أو بطرس عواد كما هو اسمه الأصلي.
رجل دين مسيحي من أب لبناني وأم بغدادية، من أساطين اللغة العربية، وكبار العلماء في التاريخ والأدب ومن رواد الصحافة العراقية.
حين توفي 1947 عن ثمانين عاماً، رثاه أحمد حامد الصراف فقال:
وعشنا وعاشت في الدهور بلادُنا
جوامعُنا في جنبهنَّ الكنائسُ
وسوف يعيشُ الشعبُ في وحدة له
عمائمُنا في جنبهنَّ القلانسُ
له كتاب طالعته هذه الأيام، كان مقرراً على التلاميذ في العراق، اسمه «خلاصة تاريخ العراق»، مما جاء فيه وهو يتكلم عن العباسي الأشهر، هارون الرشيد:
«ومما أدخله الرشيد في عالم الحضارة ثم تبعه ملوك الإفرنجة على اختلاف طبقاتهم وبلادهم، واليوم أخذ يتبعه جميع المتمدينين في ديار الإفرنج، الألعاب الرياضية والألعاب الفكرية، فالرشيد هو أول خليفة لعب بالصولجان في الميدان ورمى بالنشاب والبرجاس ولعب بالكرة والطبطاب، وهو اللعب الذي قد أغرم به الإنجليز أشد الغرام وقرب الحذّاق والمهرة في هذه الألعاب حتى عمّ الناس ذلك الفعل حصولاً على الجوائز التي كان يحسن بها الرشيد على المبرّزين فيها وطمعاً بنظر الخليفة إليهم. وكان أيضًا أول من لعب بالشطرنج من آل عباس وكذلك بالنرد (الطاولة) وقدّم اللاعبين وأجرى عليهم الأرزاق، فسمّى الناس أيامه لنضارتها وخصبها (أيام العروس)». ص111
يا سقى الله أيام العروس.
ثم بعد فصل حزين عقده الكرملي عن كارثة الغزو المغولي للعراق، قال في نص مهيب:
«وأنت تعلم أن البلاد التي لا يتسنى لها الراحة لا يتسنى لها المعاملة والمتاجرة، ولا المبايعة ولا المقايضة ولا الزراعة ولا الصناعة فتغدو فقيرة بحكم الحال. وإذا افتقرت البلاد قام أهلها يغزو بعضهم بعضاً ليعيشوا، فيأخذ القوي ما يجده عند الضعيف وعلى هذه الصورة تنحطّ البلاد ويذلّ سكانها ويقلون إن لم ينقرضوا، وما ذلك إلا آفة الجهل، وما آفة الجهل إلا الأقوام المنحطة التي لا تريد الرقي كما لا تريد أن تدين لسيّد عاقل حكيم كما تظهر هذه الحقيقة لأدنى تأمل». ص174 - 175
ليت حكام العراق اليوم يصغون لنصيحة «الأب» البغدادي الحكيم.
[email protected]