خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الذئبات المعطاءات

تواجه أوروبا الآن حكما فولاذيا يقوم على أكتاف عدد من السيدات الصارمات، منهن ميركل في ألمانيا وتيريزا ماي في بريطانيا وسرجن في اسكوتلندا. وسبقتهن بسنوات قلائل السيدة الفولاذية مرغريت ثاتشر. والمعروف أن الإمبراطورية البريطانية بنيت بذراع امرأتين، إليزابيث الأولى ثم الملكة فيكتوريا.
ويعتقد البعض أن السلام والخير سيعمان العالم لو أن العالم ترك الحكم بأيديهن. ولكن التجارب نقضت ذلك. يكفينا أن نتذكر غولدا مئير. يذكر شكسبير في مسرحياته عددا ممن تولين الحكم في بريطانيا، ولقبهن بالذئبات المعطاءات. منهن إيزابيلا والملكة مرغريت.
حكاية الملكة إيزابيلا حكاية فظيعة في الذكر والخيال. تولت الحكم في الثانية عشرة من عمرها بعد أن نشأت وتربت في باريس وارتبطت بالبلاط الفرنسي. وخلفت أربعة أولاد بالحلال والحرام. لم ترق لها حياتها مع زوجها الملك إدوارد فهجرته واتخذت اللورد مورتمر عشيقا لها. جرته إلى سلسلة من المؤامرات والحروب الداخلية الدامية. استغلت خلالها علاقتها بملك فرنسا، فاستنجدت به، وجيشت جيشا فرنسيا استعملته في غزو بلادها وشعبها. وقع أخيرا زوجها الملك إدوارد أسيرا بيدها، فحكمت عليه بالإعدام، وكان إعداما لم أسمع بمثله في التاريخ. أمرت الجند أن يضعوا خازوقا حديديا في النار حتى أصبح جمرة حمراء، بحيث يحرق أحشاءه وأمعاءه في الداخل.
واصلت حروبها، مدعية أنها أم الملك الطفل، وريث العرش، فنهبت بجشع عجيب كل ما في الدولة من أموال. استفاق أخيرا ابنها هذا بعد أن نشب وكبر وتذكر ما فعلته بوالده الملك. لاحظ ما كانت تفعله باسمه، فتمرد عليها وخاض الحرب ضدها، وانتهى بها بوضعها سجينة في معتقل مدى الحياة وكفى العالم شرها. الذئبة المعطاء، كما وصفها شكسبير.
كانت مشكلة إيزابيلا أنهم في تلك الأيام، القرن الثاني عشر، لم يكن للمرأة أن تجلس على العرش لتتوجها الكنيسة. وكانت هذه هي المعركة التي خاضتها متيلدة. فبعد أن غرق أخوها في البحر لم يعد بيد والدها الملك ما يقوله على فراش موته غير أن يلتفت لابنته متيلدة ويقول أنت ملكة إنجلترا من بعدي. وقضت متيلدة حياتها تحارب وتتحالف وتتآمر لتحقق ذلك وتتحدى القوم بأن من حق المرأة أن تصبح ملكة. وعندما حاولت أن تثبت ذلك راحوا يسخرون من حركاتها وسلوكها. وعندما حاولت دخول المجلس هبوا ضدها وطردوها. بيد أن الذئبة لم تنثن وواصلت جهادها. ولكنها في آخر المطاف احتضنت حلا وسطا بأن توجوا ابنها ملكا يحكم باسمها!
بيد أن التاريخ يضم أيضا نساء أنعمن على بلادهن بالخير. كانت جاندارك واحدة منهن. فلاحة شابة استطاعت أن تقود الجيش الفرنسي في محاربة العدو المحتل لبلادها، الإنجليز. وتنتصر عليهم. ويعتز الروس بذكرى الملكة كاترينا. تضايقت من زوجها المأفون الملك بطرس فقتلته سماً. وتفرغت لحياتها الفاسقة حتى ماتت. لكنها ساعدت في تمدين روسيا وتوسيع حدودها وإشاعة الحضارة الغربية في ربوعها.