إيلي ليك
TT

عودة روحاني {الإصلاحي} في انتخابات زائفة

كان روحاني أهون الشرّين، لكن يبالغ الغربيون كثيراً في تقديرهم لما يمكن أن يقوم به أي رئيس إيراني.
في الأيام السابقة لفوز الرئيس الإيراني حسن روحاني بفترة رئاسية ثانية في إيران خلال نهاية الأسبوع الماضي، تم تداول مقطع مصور لأحد خطاباته القديمة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال روحاني في ذلك الخطاب أمام البرلمان الإيراني إنه ينبغي شنق المعارضين للنظام الجديد خلال صلاة الجمعة ليكونوا عبرة. كان روحاني أصغر سناً وقت إلقائه ذلك الخطاب، وتحديداً في بداية الأربعينات. وكانت الثورة لا تزال يافعة، وقام كثير من القادة الإيرانيين في تلك الحقبة برحلة من الثورة إلى الإصلاح. مع ذلك، السبب الذي يربط خطاب روحاني حينها بإيران اليوم، هو تغيير رأيه على الساحة العامة على الأقل. كان روحاني يخبر ناخبيه خلال حملته الانتخابية بأنه سيكون «محامياً» يدافع عن حقوقهم، وانتقد خصمه الرئيس إبراهيم رئيسي لدوره في إصدار أوامر بإعدام معارضين سياسيين. ووعد بتحقيق المساواة بين الجنسين، وبدعم حرية الصحافة.
يبدو كل ذلك جيداً، بل ويبدو أمرا رائعا بالنسبة لأولئك الأشخاص في الغرب الذين يبحثون عن نسخة إيرانية من ميخائيل غورباتشوف، لكن للأسف لا يوجد ما يدعو لتصديق أن روحاني سوف يفي بأي من تلك الوعود، أو حتى سيحاول القيام بذلك. هناك بعض الأسباب لهذا الأمر. السبب الأول أن روحاني قد استعرض هذه الأفكار نفسها في عام 2013 حين تم انتخابه رئيساً للمرة الأولى؛ ونعلم حالياً أن وضع حقوق الإنسان في إيران قد تدهور وتراجع بشكل أكبر خلال فترته الرئاسية. وقام مركز حقوق الإنسان في إيران بتوثيق جزء كبير من هذا. وأشار المركز في أكتوبر (تشرين الأول) إلى أن روحاني قد دعم قانوناً يضع كل وسائل الإعلام الإيرانية تحت سيطرة الحكومة. كذلك وثّق المركز موجة من الاعتقالات للصحافيين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 عقب الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة الأميركية ومجموعة الدول الخمس الكبرى. وكتب 29 عضوا من أعضاء البرلمان الأوروبي قبيل انتخابات يوم الجمعة خطاباً مفتوحاً يحثون فيه إيران على التوقف عن تلك الاعتقالات، وممارسات الترهيب، والتنكيل بالصحافيين في موسم الانتخابات. وقد أوجز صادق زيبا كلام، الناشط وأستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، هذا الوضع جيداً في نوفمبر حين قال: «لم يكن لدى روحاني سلطة الإفراج عن المعتقلين السياسيين، أو إنهاء الإقامة الجبرية، لكنه لم يتظاهر حتى بأنه قد أراد اتخاذ موقف حيال الأمر».
مع ذلك، من باب الإنصاف لروحاني، ينبغي توضيح أن أكثر الأمور تقع خارج نطاق سيطرته. يعلم أي شخص مهتم بالشأن الإيراني أن علي خامنئي، المرشد الأعلى غير المنتخب، هو من يتمتع بالقوة والسلطة الحقيقية في البلاد، ومعه أجهزة الأمن، التي تعمل مثل عصابات المافيا المتنافسة هذه الأيام، حيث يسيطرون على كثير من الصناعات والأعمال في إيران. يعني هذا عمليا أن روحاني قادر على مهاجمة الحملات الأمنية، والإقامة الجبرية ضد قوى المعارضة الديمقراطية، وهو ما يقوم به بالأساس أثناء الانتخابات، لكن الأمر في النهاية ليس في يديه.
ليس لدى روحاني كلمة أو سلطة تذكر فيما يتعلق بسياسة إيران الخارجية. رغم إتمام الاتفاق النووي الإيراني، ووجود رئيس أميركي عازم على استعادة العلاقات الدبلوماسية، فإن إيران صعّدت هجماتها في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة من فترة رئاسة باراك أوباما. وكان ضباط إيرانيون يساعدون في توجيه وإدارة الحملة العسكرية البرية ضد حلب في سوريا خلال الخريف حين فقد المعارضون السيطرة نهائياً على مدينة كان الحاكم المستبد يضرب عليها حصاراً ويقوم بتجويعها.
سوف يقول مسؤولون سابقون في إدارة أوباما إن انتخاب روحاني عام 2013 كان شرطاً مسبقاً مهماً للتوصل إلى اتفاق نووي؛ وهذا أيضاً مبالغة في تقدير أهمية الرئيس الإيراني. رغم أنه قد تم استئناف المفاوضات السرية حقاً بعد فوز روحاني عام 2013، فإنه لم يكن ليتم إبرام أي اتفاق نووي دون مباركة وموافقة المرشد الأعلى. الأهم من ذلك هو أن إدارة أوباما قد صرحت في ذلك الوقت بأنها تمكنت من دفع الإيرانيين نحو التفاوض لأن الولايات المتحدة كانت على رأس محاولات دولية لفرض عقوبات تعجيزية على النظام المصرفي الإيراني، وصناعة النفط في إيران.
ينبغي أن يوضح لنا كل ما سبق كيف نفهم في الغرب ما حدث للتو في إيران. صحيح أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت مرتفعة؛ وصحيح أيضاً أن شخصيات إصلاحية ومعارضة حقيقية قد حثت أتباعها على التصويت لروحاني، لكن يخفي كل هذا أمراً أكثر عمقاً، وهو أن الانتخابات الإيرانية تتمتع بشرعية الأصوات مثل اتحاد طلبة في المرحلة الثانوية تابع للحكومة. قد يختار كثير من الطلبة من بين مجموعة خيارات محدودة، لكن على الطلبة الذين يتم انتخابهم الخضوع لمن يتمتعون بالسلطة الفعلية؛ وهم المعلمون والإداريون في المدرسة.
مع ذلك عند قراءة الصحف الغربية فسوف تظن أن إيران كانت مثل غيرها من الدول الحرة، وأن روحاني قد حقق فوزاً «كاسحاً»، بحسب ما أشار إليه كثير من عناوين الصحف الرئيسية. تم تفسير ذلك بشكل كبير كتوبيخ للمتشددين. أتطلع إلى تحليل مؤسسة «بي بي سي» لمحاولات روحاني زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات في مدينة أصفهان. ليس الصحافيون والمحللون الغربيون هم وحدهم من يعانون من هذا الأمر؛ فأوباما أيضاً كان يعاني من وهم، واعتقاد باطل بأن السياسة الإيرانية واقعة في نطاق الصراع بين الإصلاحيين والمتشددين. وقال أوباما في رسالته الموجهة إلى الإيرانيين عام 2015 بمناسبة عيد النيروز: «رسالتي إليكم أيها الشعب الإيراني هي ضرورة أن نطالب معاً بالمستقبل الذي نتطلع إليه». وطالب الإيرانيون بالفعل بمستقبلهم في عام 2009، وكان هذا خلال انتخابات أخرى. كان المنافس لمحمود أحمدي نجاد المتشدد هي «الحركة الخضراء»، التي كانت تدعو إلى زيادة حقوق الشعب، ووضع حد للمواجهة مع الغرب، لكن سرق أحمدي نجاد تلك الانتخابات، وألقت الدولة القبض على آلاف المواطنين الذين واتتهم الجرأة للتعبير عن مظالمهم في الشوارع. ولا يزال قادة تلك الحركة رهن الإقامة الجبرية رغم وعود روحاني في عام 2013 بإطلاق سراحهم.
ويقودنا هذا إلى سبب خطورة تظاهر الدول الحرة بوجود منافسة سياسية حقيقية في إيران. إذا تقبلت هذا الفرض، فسوف يقود بالضرورة إلى سياسات غامضة مشوشة تستهدف دعم الإصلاحيين والمعتدلين، مع الاعتقاد أن السبب وراء حملة الاعتقالات، التي تقوم بها إيران ضد مزدوجي الجنسية، أو أعمالها الاستفزازية ضد السفن الأميركية، هو الصراع الداخلي من جانب المتشددين في إيران.
من المفهوم أن الإيرانيين، المضطرين للخضوع لحكم الملالي، قد صوتوا للمرشح الأقل سوءاً. مع ذلك، ينبغي ألا يغيب عن الغربيين الأمل في رؤية «إيران أفضل» يكون فيها السياسيون قادرين حقاً على الوفاء بوعودهم الشعبية بالإفراج عن المعارضين، ودعم حقوق المرأة.
تهنئة إيران على انتخابات زائفة تمنح الشرعية لنظام لا مكان فيه لأي انتخابات حقيقية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»