مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

(الغراب) الذي قتل السلام

في هذا الوقت ازدادت الصراعات والتحديات بين الأديان والمذاهب إلى درجة تقترب من الجنون، ووجد العقلاء أنه من الحكمة التقريب أو التوفيق أو احتواء التناقضات – سموها كما شئتم – لجعل شعوب العالم تعيش على الأقل بسلام، كل مع عقيدته ومذهبه دون المساس بحرية الآخر.
وأعجبتني مجلة (تايم) الأميركية عندما نشرت على غلافها الرئيسي صورة لرجال الإنقاذ من أصحاب (الخوذ البيضاء) في سوريا، وهم خليط من كل الجنسيات والعقائد، واستشهدت بآية قرآنية كريمة من سورة (المائدة) وهي: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».
في إشارة إلى عملهم الإنساني لإنقاذ آلاف الأرواح من تحت الأنقاض – انتهى
ومما لفت نظري أن هناك معلماً مسيحياً يبلغ من العمر (85) عاماً، يقوم بتحفيظ التلاميذ أجزاء من القرآن الكريم بقرية (طهنا الجبل) في محافظة (المنيا) بصعيد مصر.
وقال المعلم واسمه (عياد حنا شاكر) في تصريحات إعلامية، إن البداية كانت إنشاؤه (كُتّاباً) لتعليم الأطفال الحساب واللغة العربية، والدينَين الإسلامي والمسيحي، وإنه حفظ القرآن الكريم عن والده الذي كان يخطب في الجنازات والمآتم، ونوه شاكر إلى أن قريته على أيامه لم يكن بها سوى ثلاثة متعلمين؛ ما جعل لما كان يفعله أهمية كبيرة.
وفي حادثة أخرى، عندما ذهب المقرئ المصري الشيخ (نزيه متولي)، لتقديم عزاء مواساة لصديقه القبطي في وفاة شقيقه.
ويقول الشيخ إنه أثناء جلوسي طلب مني صديقي وأقارب المتوفى أن أقرأ لهم سورة (مريم) واعتقدت في البداية أنها مزحة، فقلت لهم: ما ينفعش لأن لا أحد سبقني على ذلك من قبل، غير أنهم مع إصرارهم وافقت على ذلك لكي أعمل وحدة محبة بيننا، وأوصّل رسالة للعالم أننا في مصر يد واحدة.
وقال شهود عيان، إنه ما أن استرسل الشيخ متولي بالقراءة، حتى بدأت العيون تفيض بالدموع، بل إن نشيج البعض من الرجال والنساء أخذ يتعالى.
وبالمقابل: قررت مساجد بريطانيا فتح أبوابها أمام كافة البريطانيين في محاولة للتقرب بشكل أكبر من غير المسلمين، وترسيخ التآخي بين كل فئات المجتمع البريطاني، حيث سيتم تنظيم لقاءات يقدم فيها الشاي والحلويات في أماكن العبادة والإجابة عن أسئلة حول الدين الإسلامي – انتهى
كما أن (البابا) أراد أن يكرس مفهوم السلام فألقى خطاباً من (الفاتيكان) أمام الجماهير المحتشدة يدعو فيه للتآلف بين كل معتقدات البشر، ورمزاً للسلام أطلق بيده حمامة بيضاء في الهواء، وما كاد يطلقها حتى انقض عليها غراب من السماء وخطفها بين مخالبه، وسط أنظار الجماهير المصعوقة التي تشاءمت من هذه الحادثة، معتقدة أن السلام لن يحل في العالم، وكانت النتيجة عكسية لما أراده البابا.