غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري
TT

تحديات إقليمية للمبادرة السعودية

تبلورت القمم واللقاءات العالية المستوى التي عقدت أخيرا في الرياض، في رسالة سعودية صريحة موجهة إلى العرب والعالم. هذه الرسالة تتحدث عن استراتيجية عمل جديدة لأميركا والسعودية، يمكن اختصارها في الرغبة بتعميق المشاركة العربية والإسلامية في مكافحة الإرهاب والعنف الديني. ومراجعة الفكر المتزمت. وتحقيق سلام في المنطقة العربية قائم على حل عادل للقضية الفلسطينية.
وأولت الرسالة السعودية العلاقة الإيرانية/ العربية اهتماما أكبر رغبة في ردع وإنهاء التدخل الإيراني في العالم العربي. باللجوء إلى وسائل تختلف كلياً عن ماضٍ عربي في المسايرة حينا. وغض النظر حينا، عن محاولة تشييع طائفي محموم لمجتمعات عربية (سنية). والهيمنة عليها بالقوة العسكرية. وبثقافة عداء وكراهية، لم يعد لها من فائدة في الاستفزاز المستمر للغرب وأميركا.
من البديهي أن تواجه رسالة سعودية حريصة على استقلالية عربية، في التعامل مع المتغيرات والتهديدات، تحديات إقليمية مصدرها الأساسي، مع الأسف، إيران التي تجاوزت إسرائيل في تهديد الأمن القومي العربي. وكأن السعودية تريد أن تقول للعرب إن لوك شعارات ثقافة ظلامية انقلبت من ممانعة ظاهرية لإسرائيل، لتتورط في مخادعة مجتمعات عربية (سنية). لتعطيل رغبتها في الاستثمار بالتنمية.
وتبدو السعودية غير متفائلة بإمكانية الرئيس حسن روحاني بسحب إيران من الهوة التي أوقعت فيها نفسها في العالم العربي. وها هو بتملقه المتزلف لفاشية «الحرس الثوري» العسكرية، يتجاهل كرجل دين المجازر التي ترتكبها ميليشيات الغزو الإيراني لسوريا. والعراق.
الدول الخليجية في مقدمة الدول العربية رغبة في كف إيران عن التدخل في الشؤون العربية. لكن استمرار هذا التدخل وتباهي إيران بالهيمنة على عدة عواصم عربية، قد يؤديان إلى نقل المعركة إلى داخل إيران، كما صرح أخيرا وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ماذا يعني هذا التهديد؟ يعني أن دول التحالف العربي الإسلامي قادرة على استنزاف إيران بتحريك «المعارضات» الداخلية الكثيرة للنظام الإيراني. وأولها العرب الذين يسكنون تاريخيا على طول الضفة الشرقية للخليج. وهي منطقة استثمار نفطية، لا تستفيد أصلا من عوائده المالية في تحسين وضعها الاقتصادي.
الداخل الإيراني سهل الاختراق. الباشتون السنة على حدود إيران مع باكستان متذمرون من المعاملة العنصرية الطائفية لهم. ويقومون بعمليات مقاومة من حين لآخر. وتهدد إيران باكستان بنقل معركة الباشتون إلى داخل الأراضي الباكستانية.
أيضا هناك الأكراد في إيران الذين يقيمون في مناطق مجاورة ليست بعيدة عن أكراد سوريا. وتركيا. والعراق. وهم أيضا في حالة تذمر. ويقومون بعمليات ضد السلطة الفارسية الشيعية المتحكمة ببلد متنوع المذاهب والعناصر المتناحرة.
بل ها هو إلهام علييف رئيس دولة أذربيجان الشيعية التركية، قد لبى الدعوة السعودية لحضور القمة الإسلامية الأميركية في الرياض. والمعروف أن النظام الإيراني يناصب أذربيجان العداء. وينحاز ضدها، في خلافها مع أرمينيا على منطقة نغورنو كاراباخ الواقعة في صميم الأراضي الأذربيجانية.
مع ذلك كله، لا أتوقع أن تنفجر الحرب فورا أو سريعا بين إيران والدول الإسلامية (السنية). فهذه الدول تدرك جيدا قدرة إيران العسكرية على إلحاق الأذى بالصناعة النفطية والمدن الخليجية. وهي على كل حال، تمنح روحاني فرصة لسحب إيران من العالم (السني). ووضع حد لعمليات الإعدام اليومية لعناصر معارضة سنية. وكردية. وباشتونية، في السجون الإيرانية. ولا يجري الإعلان عنها. بالإضافة إلى رفض النظام الديني الإيراني تلبية الحاجات الدينية البسيطة، كإقامة مسجد للسنة في طهران.
التحدي الآخر للمبادرة السعودية ينطلق من صميم الخليج. فقد لبى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدعوة السعودية لحضور قمم الرياض، في حين أرسل حليفه التركي رجب طيب إردوغان وزير خارجيته بديلا عنه. ثم ما لبث الشيخ تميم أن اعترض، بعد عودته إلى قطر، على الموقف السعودي من إيران. أما غياب إردوغان الذي يحتفظ بعلاقة طيبة مع السعودية، فهو للتعبير عن امتعاضه من دعم إدارة ترمب لأكراد سوريا وتركيا الذين نجحوا في إقامة جيب كردي انفصالي في سوريا، على طول الحدود من الفرات إلى مثلث الحدود السورية. العراقية. التركية.
تبذل الوساطة الكويتية جهدها في حل الخلاف بين السعودية وقطر. ومن صالح الأخيرة عدم التجاوب مع العناصر «الإخوانية» التي تؤويها. فقد ورطت قطر في نزاع خطير مع مصر السيسي. وتورطها في خلاف مع أميركا ترمب التي تناولت سياسة قطر بنقد عالي النبرة، على الرغم من إيواء قطر لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في العالم (قاعدة العديد). وتتمركز فيها القيادة الأميركية للقوات العسكرية في الخليج البالغ عددها 35 ألف جندي.
تبقى البحرين التي تعاني من غطرسة التدخل الإيراني. إيران تريد عسكرة شيعة البحرين، تماما كما فعلت بشيعة لبنان. فبعدما حصل هؤلاء على حقوقهم السياسية، حولتهم إيران إلى مسمار جحا يهيمن على لبنان. ويغرزه نظام بشار في خاصرة السنة السورية.
أدانت المبادرة السعودية جريمة «داعش» في قتل 19 قبطيا. وأيدت الضربة التي وجهها الطيران المصري للأوكار «الداعشية» في شرق ليبيا التي انطلق منها الهجوم على الأقباط المصريين. لا شك أن السعودية تأمل في أن تتغلب دولة السيسي على الإرهاب، لتتمكن من المشاركة في التحالف العسكري العربي الإسلامي الذي يسعى إلى استعادة عروبة سوريا من المخالب الإيرانية.
نجحت مبادرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في إقناع الرأي العام العربي وشارعه الشعبي، بتغيير النظرة إلى الرئيس ترمب. بدا الرئيس الأميركي في غاية البساطة، وهو يقول بصوت هادئ إلى القادة العرب والمسلمين، إنه لم يأت إلى الرياض ليحاضر (عن الديمقراطية وحقوق الإنسان). وإنما لحفزهم على الوحدة ومكافحة الإرهاب وتمويله.
في فلسطين المحتلة، واجه ترمب الزعماء الإسرائيليين بضرورة التخلي عن التمترس وراء «إسرائيل القلعة». وذلك لتقديم «تنازلات مؤلمة». فلا سبيل للتعاون مع دول عربية، من دون تسوية عادلة ترضي الفلسطينيين. كذلك وجه ترمب اللوم لحماس علنا. فلا سبيل لإلحاق الهزيمة بإسرائيل. ولا بد من وحدة فلسطينية بين غزة والضفة لاعتماد مبدأ «حق تقرير المصير» أساسا لحل مشرف. فكلما طال أمد النزاع صار الزمن لصالح إسرائيل في استيطان الأرض. وفرض حل «الدولة اليهودية». وتغييب اسم فلسطين العربية نهائيا.
ظروف ترمب الصعبة داخل البيت الأميركي تشكل «تحديا» لرسالة السلام التي وجهها العاهل السعودي للعرب والعالم. فهناك احتمال إجراء تحقيق. لكن شعبوية ترمب ليست لقمة سائغة. فوراءه ملايين الأميركيين الذين ناصروه. وانتخبوه. وأثبتوا رفضهم للديمقراطية الليبرالية المتحالفة مع دهاقنة يهود المال في «وول ستريت». فأفقدتهم حقهم المشروع في عمل دائم ومستقر. والرجل ليس بهذا السوء، كما تصوره الصحافة السياسية الأميركية والعالمية.