محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

رمضان… التحكم في الذات

كل المصلحين والديانات السماوية ودورات المهارات الإدارية على مدى التاريخ، كانت وما زالت تنادي بقوة التحكم في الذات بضبط النفس البشرية. وما الصيام إلا أحد تلك الأمثلة، لأنه يدفع المرء إلى الامتناع عن المباحات لفترة زمنية محددة.
العلماء من جامعة ستانفورد الأميركية حاولوا التعمق في مسألة مدى مقدرة الإنسان على تأجيل حاجته الملحة في إشباع رغباته، وأثر ذلك على سلوكه المستقبلي. فجمع الباحثون أطفالاً وقدموا إلى كل منهم قطعة واحدة من حلوى المارشميلو «الإسفنجية»، ووعدوهم بأنهم إذا ما نجحوا في تأجيل تناول هذه القطعة اللذيذة فسوف تتم مكافأتهم بقطعة إضافية شريطة أن يصبروا لمدة 15 دقيقة فقط، وهي مدة ليست بالقصيرة لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة والسادسة.
فبدأ علماء النفس بقياس المدة الزمنية التي يمكن للطفل أن يؤجل رغباته في التهام تلك الحلوى. فلاحظوا أن من الأطفال من لجأ إلى حيل عفوية لكبت جماح رغباته الفطرية كتغطية عينيه بكفيه، أو أن يدير ظهره لمائدة الطعام التي ملئت بأشهى أصناف الحلويات، في حين لجأ آخرون إلى الغناء والهمهمة والحركة الزائدة علهم يتصبرون بها، على ما يبدو! أما آخرون فقد حسموا أمرهم بالتهام قطعة الحلوى فور مغادرة الباحثين باب القاعة!
ويهدف العلماء من هذه الدراسة إلى إعداد دراسات مستقبلية لمعرفة ما إذا كان سلوك «تأجيل الإشباع» Deferring gratification له علاقة بالنجاح المستقبلي للإنسان. وبعد عشر سنوات من إعداد هذه الدراسة، التي تمت في عام 1972، توصل العلماء بالفعل إلى أن الأطفال الصبورين الذين «أجلوا رغباتهم الملحة» طواعية حققوا في عام 1990. أعلى الدرجات في اختبارات القبول الجامعية (SAT) مقارنة بنظرائهم. وحينما طلب من والديهم أن يصفوا سلوك أبنائهم في سن المراهقة، قال معظمهم إنهم «يتحلون بدرجة عالية من الخصال الحميدة والكفاءة» مقارنة بغيرهم.
هذه الدراسة الذائعة الصيت تعطينا دليلاً جديداً على أن التحكم في الذات ونوازع النفس البشرية، أو «تأجيل المتعة» يقف خلفه أسباب نجاح كثير ممن صار يشار إليهم بالبنان. فترى هذا المزارع الذي يصبر نحو عام على مواسم الحصاد، وذلك التاجر الذي يكبت رغبة الإنفاق على متع الحياة حتى يحقق أرباحاً، وذلك الطالب الذي يصبر على مر الدراسة كل أولئك يحاولون تأجيل متعهم وضبط سلوكهم أملاً في أن ينطبق عليهم قول: «من طلب العلا سهر الليالي».