ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة

سوريو القبعات البيض

يقال إن العقل البشري مبرمج على فهم القصص وحفظها على نحو أعمق وأدق مما يفعل حيال الأرقام والحقائق. حتى الصور والكلمات مهما كانت بسيطة، فمن الصعب أن تثبت في الدماغ ما لم تكن مشبعة بحكايات تساعد عقلنا على فهمها ووضعها في سياق محدد. هذا هو السبب البسيط والعقلاني الذي يجعل الصحافة، مهما تشعبت مجالاتها وتطورت تقنيًا، حقلاً قائمًا بالدرجة الأولى على القصة والتجربة الإنسانية قبل أي حقيقة أخرى، لأن القصة ببساطة تلائم تركيبة دماغنا وتصل إلى أعماقنا فتترسخ فيها.

«الميديا» الجديدة: حيرتنا مضاعفة

ليس بوسعنا استشراف إلى أين سيفضي هذا الشغف الجماعي بعالم «السوشيال ميديا». فنحن منغمسون في تلك المنصات على نحو يكاد يكون شاملاً، سواء على مستوى الصداقات والعلاقات الشخصية أو على مستوى التفاعل مع الأحداث ومع العالم. الأكيد أن طبيعة تلك المساحات الجديدة لم تستقر بعد، والواضح أن حياتنا باتت أكثر سرعة وأكثر زخمًا، بحيث وجدنا أنفسنا أسرى تلك الحاجة الغامضة التي تحركنا لمواكبة هذه المنصات ولعرض حياتنا وآرائنا عبرها. لقد غلبنا ذاك الوباء وبتنا أسرى الحاجة لأن نكون على تماس مع كل ما يحصل معنا ومع العالم من حولنا على مدار اللحظة. هذا التحول يطال كل شيء تقريبا ومن ضمن ما يطاله الإعلام والصحافة.

ما الفائدة من مقابلة الأسد؟

أجاب الرئيس السوري بشار الأسد محاوره قبل أيام ردًا على سؤال: «وما هي البراميل المتفجرة؟ إنه مجرد عنوان يستخدمونه لعرض شيء شرير جدًا يمكن أن يقتل الناس دون تمييز...»، بعد ساعات من تلك المقابلة انهالت البراميل المتفجرة والصواريخ بشكل غير مسبوق على مدينة حلب التي عاشت ليلة دامية من أصعب لياليها. مرّت ست سنوات والإجابات هي نفسها: «لسنا نحن من قصف قوافل الإغاثة. لم نقتل أحدًا. إنهم المسلحون.. المؤامرة الدولية..

عن مراسل «بي بي سي» في دمشق

هل يؤثر على مصداقية قناة مثل «بي بي سي» العربية أن يظهر مراسلها في سوريا، في صورة تذكارية ضاحكًا متخففًا من ثقل موقعه المهني، وإلى جانبه ضباط في الجيش السوري، وذلك مباشرة بعد انتهاء معركة الحصار على أحياء حلب الشرقية، مع كل ما يعنيه ذلك من مسؤولية مباشرة للنظام السوري عن حصار وتجويع وقتل آلاف من السوريين، في حين أجبر من بقي حيًا منهم على مغادرة بيته ومدينته؟! الجواب بديهي ولا يحتمل تأويلات مهنية.

«ويكيليكس»: لا وثائق عن روسيا

من الصعب تجاهل الشهادات والمقاربات النقدية لأداء جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس»، خصوصًا لجهة موقعه في التأزم ما بين الولايات المتحدة التي تركز عليها تسريبات وثائقه وبين روسيا التي باتت أشبه بالحاضنة والراعية له والمروجة لكشوفاته، والأهم من كل ذلك أنها الطرف الأقل عرضة لتسريباته، بل مستفيد منها.

مقتل العدناني.. لا «داعش»..

شرع الجميع يحلل في تداعيات مقتل المسؤول البارز لدى تنظيم الدولة أو «داعش» أبو محمد العدناني، ومال البعض إلى الجزم بأن الجماعة خسرت صوتها أو عقلها الإعلامي والدعائي، وأن الشخصية التي كانت تخاطب مشاعر مناصرين في الغرب قد أقصيت.

«عودي إلى البيت».. رهاب «البوركيني» يشملنا أيضًا

ليسوا متشددين إسلاميين من شهروا تلك الدعوة، ولا هم رجال في مجتمع تقليدي محافظ، بل هم مجموعة من علمانيي الجمهورية الفرنسية. فهؤلاء، وبحسب ما تناقلت وسائل إعلام غربية، صفقوا بحماس وهم يتابعون مشهد الشرطة تطوق سيدة مسلمة مستلقية على البحر مرتدية البوركيني متجاهلة قرار بعض البلديات بمنعه. إنها لمفارقة فظة أن يهتف جمهور «علماني» لسيدة بأن عليها العودة إلى البيت. فالمشهد يشبه حكايات سيدات عربيات ومسلمات كثيرات حاولن خرق الحظر في مجتمعاتهن حول ما يرتدين ويلبسن ليواجَهن في محيطهن وفي الطرق بمن يمنعهن ويصرخ فيهن أيضًا: «عُدْنَ إلى البيت».

هي أيام.. وننسى عمران

كم سيدوم أثر الصدمة التي خلفتها فينا صور الطفل الحلبي عمران؟ وهل سنتذكر نظراته الساهمة والغبار الذي غطى جسده وجبينه الدامي وشعره الجميل أياما معدودة؟ أو ربما أكثر بقليل. لم يكن بالإمكان النجاة من تلك الاهتزازة الشعورية القوية التي عصفت بكل من شاهد صور عمران، الصبي الذي نجا من موت محتم إثر قصف النظام السوري أو الروسي لحلب، وكيف بدا ذاهلا مستكينا عاجزا حتى عن البكاء، في حين يجلس على كرسي سيارة الإسعاف. أبكتنا كثيرا صور عمران وهو الذي عجز عن بكاء حاله وخوفه.

حجاب في الأولمبياد

لم أعرف كيف أحدد مشاعري حيال الصورة التي استقطبت اهتمام العالم بأسره قبل أيام، أعني صورة لاعبتي كرة الطائرة في الألعاب الأوليمبية التي ظهرتا فيها تتواجهان أمام الشبكة.

حصار حلب.. وطوقها

سريعًا ما ذوى الدخان الأسود الكثيف في سماء حلب، أعني ذاك الدخان الذي انبعث من دواليب اجتهد أولاد المدينة لجمعها وحرقها، لفرض غمامة سوداء تمنع طائرات النظام السوري وطائرات السوخوي الروسية من قصف الأطراف المحاصرة. نصر صغير في سياق محاولات فك الحصار عن ثلاثمائة ألف من أهل حلب، لكنه ما لبث أن عاد وطغى وضوح الاستقطاب بشأن المعركة الدائرة هناك. حتمًا ليست هناك أولوية تتقدم على إنقاذ آلاف المدنيين المعرضين لموت يومي لا يرحم بنيران سورية روسية إيرانية، إلا أن الصراع الحاصل تجاوز تلك المهمة وتركها في مهب الصواريخ والقنابل والقتال والشحن الطائفي.