د. عبد الجليل الساعدي

عيون

من المفردات التي تغيرت معانيها، أو اتخذت معاني جديدة كلمة «الإسفاف» فهذه اللفظة اتخذت معنى آخر يتعلق الآن بالكلام وليس بالعيون. تقول مثلا: إن في كلامك إسفافا. أو: ما هذا الإسفاف الذي تقوله. ولكن المعنى الأصلي للكلمة هو: شدة النظر وحِدَّتُهُ. وهذا عمل جيد في تطوير اللغة وإثرائها. وقد كانت العين أو العيون من أبرز مقاييس الجمال في الثقافة العربية وبخاصة في الشعر. وكانت العيون النجل والدعج من التعابير المسيطرة على جمال العيون. وتبارى الشعراء في وصف عيون النساء وقارنوها بعيون المها والغزلان.

حفتر أم {الأطلسي»؟

في مدينة درنة الليبية الخلابة، وفقا لما رواه شاهد عيان، يصادفك شباب ملثمون يرتدون سراويل مخرفجة، ويحملون بنادق رشاشة، ويحولون سحر المكان إلى ساحة للوغى. لا يوحي هذا المنظر بأنك في مدينة درنة، إنما يقول لك عقلك إنك تحلم.. ترجع النظر مرة أخرى فترى أعلام «القاعدة» ترفرف خفاقة فوق رؤوس هؤلاء الشباب.. تظن أنك في أفغانستان، أو في بلاد الشام، أو في الموصل وما جاورها. تضرب رأسك براحتيك لتفيق من الحلم، لكنك تعلم بعد ضربات متتالية أخرى أن هذا ليس حلما، بل واقع ماثل أمامك. وأنك في جبل ليبيا الأخضر. تسأل: لماذا ترفع أعلام «القاعدة» هنا؟

كيف نكون عربا ومعاصرين؟

قيل تحت هذا العنوان كلام فكري ثقيل في ثمانينات القرن الماضي. لكني هنا لا أشير إلى النخبة ولا إلى الدولة، كما فعل الصادق النيهوم، إنما أشير إلى الفرد. غليان وثوران لأتفه الأسباب، فشل ذريع في مواجهة الأحداث والنوازل ومجابهتها.. التحسّر والنواح.. التأفف لأدنى الأعراض الطارئة التي تطول الفرد.. عداء واصطدام بين الأفراد.. شغف مطلق بالماديات.. إزدراء القوانين.. جسوم أنهكتها الأحقاد والمنازعات.. نلعن دولنا، ولا نعرف أن هذا ليس هو الحل. إنما الحل هو البداية من الداخل.. الداخل الذي لا يريد أحد أن يدخل إليه.. البداية من داخل أغوار النفس. فالدعوة إلى التغيير ينبغي أن تبدأ من الفرد نفسه..

اللغة ليست برجا عاجيا؟

اللغة ليست حصنا منيعا يهلك من يقترب منه. إنها أداة للمعرفة. فهي بالتالي تحتاج إلى إثراء مستمر، خاصة أن العالم الآن أصبح ضيقا جدا يسهل التجول فيه من دون وعث سفر أو مشقة. كما أن لثورة المعلومات الهائلة تأثيرها الذي ينبغي أن يكون إيجابيا على اللغة. لذا فإن أية لغة محتاجة إلى الاقتباس، بل وخلق كلمات جديدة. على سبيل المثال معروف عن اللغة الإنجليزية أن قواميسها تتبنى الكلمات الجديدة التي تسود بين الناس، ويستعملها الكتاب ويتداولونها في مؤلفاتهم، عندها تغدو واقعا ملموسا لا يمكن تجاهله. وهم لا يكتفون بذلك، بل يسجلون هذه الكلمات في الطبعات المقبلة من قواميس اللغة.

فصاحة بكماء

مازالت الأمم تعوّل على اللسان لأنه سبيل الاقناع، ووسيلة فعالة في منهج الحياة. وحتى وإن بدأ اللسان يتحول تدريجيا في عصرنا الحاضر هذا، إلى لسان صموت. بمعنى أننا الآن نمضي إلى عصر أبكم، تكثر فيه الخطابات الالكترونية، وتقل فيه المخاطبة المباشرة، فإن هذا العصر يحتاج إلى هذه الفصاحة البكماء، لأنها تحتل جانبا مهما في الدعاية والإعلان. في بريطانيا هناك مدارس وكليات للخطابة، تخرج خطباء فصحاء وسياسيين بارعين، وأناسا على درجة كبيرة من الاقناع في مجالات الحياة كلها. فهناك مدرسة الخطابة في بيركشير. ومدرسة لندن للخطابة.

موت القلم

هل مضى عصر القلم، أم أنه بات ينحسر فقط؟ هل ما زال الناس يصفون القلم وسحره في الكتابة...؟ بل هل ما زال الناس يشترون الأقلام...؟! أم أن عصر القلم قد ولّى وانتهى؟

قضم القلوب

خطر ببالي وأنا أستمع صدفة منذ مدة إلى أخبار هذا العالم الثالث بيت الضليل: كأنّ قلوبَ الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العنابُ والحشفُ البالي لكنني تذكرت في الآن نفسه بيت أبي البقاء الرندي: لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ إن كان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ وطاف بأفقي بيت لشاعر الرومانسية الإنجليزي الغابر ويليام وورثسوورت في قصيدته «قوس قزح» قلبي يقفز.. حين ألمح قوس قزح.. في السماء.. وأبيات لكريستينا روسيتّي مطلعها: قلبي طير مغرد.. تداعت قضايا القلب في قلبي حتى تذكرت بيت عمرو بن حزام الرائع: لقد تركتْ عفراءُ قلبي كأنَّه جناحُ عقـابٍ دائمَ الخفقانِ تذكرت هذا الطيرَ الجارح..

«هاي هولبورن»

لو أن لي قدرة على أن أوقظ الشاعر الإنجليزي إدريان ميتشل من نومته الطويلة، وأقوده إلى شارع «هاي هولبورن»، لما ترددت لحظة. ولكن من أين لي أن أفعل هذا! كلما سرت في هذا الشارع أجدني أردد قصيدته «سيليا.. سيليا».. أحيانا بصوت ظاهر. لا أعلم كيف علقت هذه القصيدة ذات البيتين اليتيمين في ذاكرتي. لكن هذا الشارع المستفز والمزدحم يرغمني على تذكرها كل يوم تقريبا.. وأجدني في بعض الأوقات أرددها من دون أن أدري. هذه القصيدة القصيرة البسيطة، ليس فيها شيء لافت يدفعك إلى ترديدها، ولا تعبير فريد يستوقفك، إنما مناسبتها، وذكر اسم الشارع نفسه فيها.

ليبيا.. الحديقة الخلفية للإخوان

مناجم ذهب، وكنوز مخبأة لم يمهل غرورُ العظمة القذافي لاكتشافها.. إنها بالفعل أرض الكنوز المخبأة، وأرض الذهب الأسود والأصفر معا.. الأرض الرحبة ذات السهول والوديان والصحاري المترامية والجبال السامقة والخيرات السانحة. لا تعاني هذه البقعة من الأرض اكتظاظا في السكان بل نقصا فيهم. أحد هذه الكنوز سيسلم حتما من أيدي الإخوان.. لن يفتحوه ولن يمسوه.. لن يستغلوه إلا في تصدير كنز الذهب الأسود.. إنه ساحل ليبيا الطويل على البحر المتوسط. سيتساوى الإخوان في هذا الشأن مع القذافي، الذي حرم ليبيا من هذا الكنز الثمين، إذ كان يرى أن فتح شواطئ ليبيا للسياحة، هو بمثابة فتحٍ لأبواب الجوسسة على مصاريعها.