خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ

من ظرفاء بغداد

أعود لموضوع الفكاهة في العراق فأقول إنه البلد الذي لم يشتهر في العصر الحديث كما اشتهرت مصر بالظرفاء، ولكن في الواقع أنه كان هناك عدد غير قليل من المنكتين والظرفاء الذين تميزوا في العهد الملكي، في أيام الخير، كعبد المجيد الشاوي والدكتور فايق شاكر والقاضي عبد العزيز الخياط، وطبعا الشاعر الشعبي، عبود الكرخي. ومن الملاحظ أن الكثير من ظرفاء البلد كانوا من بين أصحاب الحرف، ولا سيما الحلاقين والخياطين والقهوجية. اشتهر من هؤلاء عبد الله الخياط الذي رويت عنه الكثير من المقالب والممازحات. جاء رجل بدوي يوماً وفي يده قطعة قماش من أربعة أذرع وطلب منه أن يخيط له دشداشة منها. فقال له على العين والراس.

الكتب أولاد الكتّاب

يقولون إن الكتاب ابن الكاتب، وإن صدور كتاب لمؤلف مثل ولادة طفل لامرأة. إذا كان هذا حقاً، فمن المفروض من الإخوان أن يهنئوا ويباركوا لصاحبهم على ما يولد له من كتاب. هذا في الواقع هو العرف الجاري. ولكنهم لا يبعثون له بصينية بقلاوة ولا بطاقية أو دشداشة للمولود، وإنما بعرائس الشعر أو النثر تهنئة له وإشادة به. هكذا فعل الأديب عبد العزيز محمد الذكير عندما تسلم كتاب غازي القصيبي «حياة في الإدارة».

الحنين لبغداد

قلما بعد شاعر عراقي عن بلده من دون أن ينتابه هذا المرض، مرض الحنين لبغداد، ويحرك فيه قريحته لتسجيل عواطفه نحوها. اشتهر منهم بصورة خاصة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي كثيراً ما وجد نفسه بعيداً عن وطنه لشتى الأسباب السياسية. الحنين للعراق يرتبط دائماً بالحنين لبغداد ويرتبط الحنين لبغداد بالحنين لنهر دجلة، النهر الذي تحتضنه المدينة كما تحتضن الأم وليدها.

الحق قوة أم القوة حق؟

النزاع بين الحق والقوة مثل قديم تردد على ألسنة الحكماء والفلاسفة وفقهاء السياسة، وأخذ صيغاً كثيرة من الأمثال والأقوال. يخطر في الذهن منها القول الجاري شعبياً «الحق للسيف والعاجز يدوّر شهود». وهذا كما يقول أبناء ثقيف في المملكة العربية السعودية هو «حكم القوي على الضعيف». وهذه صيغة من صيغ القاعدة التي يرددها البعض عندما يقولون «القوة حق، أو الحق قوة».

حكايات صلعة

أثارت صلعتي البهيّة والآخذة في الاتساع واللمعان يوماً بعد يوم، كثيراً من التعليقات والمداعبات والطرائف. ضقت ذرعاً بها أخيراً، فقررت سترها تحت غطاء مناسب وزهيد. بقيت أبحث وأسأل وأناقش من دون أن أهتدي لما يناسبها ويناسب صاحبها. ولكنني مؤخراً وجدت غايتي خلال زيارة للمعرض الوطني «ناشيونال غاليري» أمام ساحة «الطرف الأغرّ». دخلت مخزن الكتب والهدايا فلفتت نظري هذه القبعة السوداء البيريه الفرنسية. عرضوها للبيع في هذا المكان على أساس أنه مخزن للفنانين، والبيريه شعار الرأس وستره التقليدي للفنانين.

اللغة والطرب

السجع والإيقاع والقوافي والأوزان تعطي اللغة العربية أبعاداً موسيقية وغنائية وزخرفية تميزها عن كثير من اللغات الأخرى. بل إن بعض اللغات الأوروبية استعارت منها. الأدب العربي، لا سيما كتاب الأغاني ومقامات الهمذاني والحريري يغص بالأمثال عن ذلك. حفلت مجالس الخلفاء والأمراء بأمثلة كثيرة منها. ولعبت فيها الجواري أدواراً متميزة فيها. كان منها هذه الأغنية التي غنتها «دنانير» للخليفة هارون الرشيد: قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت المنام كي أستريح وتنطفي نار تؤجج في العظام مضنى تقلبه الأكف على فراش من سقام أما أنا؟... فكما علمت فهل لوصلك من دوام؟ طرب الخليفة لذلك فقال لها: أحسنت غناء ما تعلمت.

ذكرى تثير قرائح الشعراء

مرّت على الشاعر الكبير إبراهيم العريض ذكرى الراحلة زوجته، فلم يتمالك غير أن يتناول القلم وينضد هذه الأبيات، والعواطف تحوم في صدره، في مثل هذه المناسبة العاطفية: أحب لحبك دنيا الحسان لأن لحسنك فيها انعكاسا حضورك يضفي على الحفل طيباً فإن غبتِ ظلّ الحضور اقتباسا أثغرك في تلك يبدي افتراراً وطرفك يرنو بهذي اختلاسا فسبحان من ماز حسنك ورداً وحول حبك في القلب آسا ولما رأى ذلك الراحل غازي القصيبي، في سويعات شاعريته أضاف إليها هذه الأبيات التي بعث بها إليّ: رشفت حبك كاساً فكاسا على حالتيه رجاء ويأسا فهل كان حبك إلا الحياة تعانقني صحوة ونعاسا وأصحبها في الظلام ضياء وتصحبني في الصقيع لباسا وأحبسها في

شجن وشجون وأشجان

من المألوف أن نجد الكثيرين يسيئون فهم أو استعمال المثل القائل «الحديث ذو شجون». الشجن (بتسكين الجيم) هو الطريق وجمعه شجون، أي الطرق المتفرقة. أما الشجن (بفتح الجيم) فهو الحزن والهم والغصن الملتف المتشابك. وجمعه أشجان. والمعني بالمثل «حديث ذو شجون» أنه الحديث الذي يجر إلى أحاديث ومواضيع أخرى وهو ما صوره الشاعر في قوله: تذكر نجدا والحديث شجون فحن اشتياقا والجنون فنون ولعل من ذلك جاءنا المثل الآخر الذي يقول «الجنون فنون». وهو ما ذكرناه في مقالة سابقة. أما المثل الأول فيرجع إلى ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس من مضر. وكان لضبة ولدان أحدهما سعد وثانيهما سعيد.

العراق والفكاهة

عندما انتدبتني هذه الصحيفة «الشرق الأوسط» لكتابة عمود خفيف عامر بالفكاهة والظرف، استأنس القراء بما كتبت، ولكن كثيراً منهم تصوروا أنني فلسطيني أو مصري. وفي كل الأحوال «لازم أكون حشاش». كانت مفاجأة كبيرة لهم عندما اكتشفوا أنني عراقي، فلم يُعرف العراقيون بالفكاهة والظرف.

من باب العتاب

من ظرفاء الشعراء في العراق السيد جعفر الحلي. وهو من أهالي مدينة الحلة كما يدلّنا اسمه. له مساجلات ظريفة مع أصحابه. منها ما نُشر ومنها ما تمادى في المداعبة إلى حد امتناعه عن النشر. جمعته الصداقة الإخوانية مع شاعر عراقي آخر هو الشيخ آغا رضا الأصفهاني. وكان أن تزوج الشيخ بعد تقدمه في السن وانتظر من صاحبه أن يحضر ليباركه ويقدم له ما وجب من النقوط (وهي هدايا العرس)، بما يستحقه الخِلّ من خليله. ولكن جعفر الحلي لم يفعل ذلك.