نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

انتظار متلهف للوفد الأميركي

استصرخ الفلسطينيون والأردنيون الرئيس ترمب للخروج عن الصمت اللافت الذي ميّز تصريحاته ووعوده حول صفقة القرن.
أثار هذا الصمت ريبة الفلسطينيين، الذين نفسوا عن احتقانهم بتصريحات اتهمت مبعوثي الرئيس ترمب بأنهم مجرد حاملي رسائل وطلبات من نتنياهو، وحفظاً لخط الرجعة، وخشية التأثير على العلاقات الأميركية الفلسطينية، نُسبت التصريحات لأشخاص وصفوا بالمستويات الرفيعة، ولكن دون ذكر الأسماء.
وحين قام العاهل الأردني بزيارته الأخيرة لرام الله بعد انقطاع طويل، فمن ضمن ما جرى تداوله في الإعلام والمحادثات هو تأكيد الحرص الأردني الفلسطيني المشترك على دعم التحرك الأميركي، واستنهاضه بعد الفتور، كرهان وحيد لإطلاق عملية سياسية، والبديل الوحيد عن تفاقم الصراع بكل أشكاله مع إسرائيل.
كان لحادث السفارة في عمان، الذي تزامن مع موقعة القدس وعملية حلميش التي قتل فيها ذبحاً ثلاثة إسرائيليين، تأثير مباشر فتح الباب أمام احتمالات عودة الاضطرابات وتفاقمها، ما يؤثر مباشرة على الأوضاع في الأردن، وكذلك على ما تبقى من الحقوق الفلسطينية في القدس وسائر المناطق المحتلة.
الحرص الأردني والفلسطيني على تواصل الحركة الأميركية، حتى لو كانت نتائجها لا تزال في طي المجهول، مفهوم، بل وبديهي، فالحركة تنفض الغبار المتراكم على الملفات المودعة منذ زمن في الأرشيف، وتسد فراغاً، ولو نفسياً ومظهرياً، يسمح لكل الأطراف بتبرير الانتظار، وتبريد المراجل التي تغلي، إن لم يكن على الصعد الرسمية، فعلى الصعد الشعبية التي كانت المايسترو الميداني لموقعة القدس وإنجازاتها اللافتة، وما ترتب عليها من نتائج سياسية أودت بدرة التاج الأوسلوي (التنسيق الأمني مع السلطة)، وأزعجت رتابة التطبيع مع الأردن، حين سال الدم بفعل فاعل إسرائيلي في عمان.
ما حدث كان حافزاً قوياً للاستعجال في ترتيب الجولة المرتقبة لكوشنير ووفده، وجعل من الانتظار الأردني الفلسطيني المتلهف لهذه الزيارة مبرراً وموضوعياً.
النهج الأميركي هذه المرة، رغم إحاطته بتشكيكات كثيرة، فيه بعض جديد، ولنفترض أن اللاعبين الأميركيين الجدد استفادوا من إخفاقات الطريقة الأميركية النمطية في العمل على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، لبلوغ مستحيل اسمه اتفاق ثنائي، لا دور للعرب فيه سوى المباركة وتقديم الدعم.
وفي تقديري، وهذا لا يتفق معي فيه بعض الفلسطينيين، بل ويتخوفون منه، هو ميزة تغير مسار الحركة من الداخل إلى الخارج، لتكون هذه المرة من الخارج إلى الداخل.
الإعلان عن شمول الزيارة المرتقبة المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والأردن، وهذه الدول ملتزمة بالمبادرة العربية للسلام، هو توسيع لدائرة المشاورات، واستقطاب مجالات تأثير جديدة؛ إن كان هذا نهجاً أميركياً راسخاً، فهو في مصلحة الفلسطينيين، ذلك أنّ السعودية ومصر والأردن دخلوا في عهد ترمب حالة من التأثير الإيجابي، خصوصاً بعد مؤتمر الرياض الإسلامي، وما دام الفلسطينيون يضمنون عدم تمرير معادلة نتنياهو «التطبيع أولاً مع العرب»، وبعد ذلك يجري الحديث معهم، وتأكدوا كذلك من موقف عربي، من أن التطبيع مرتبط بتسوية حقيقية ترضيهم، خصوصاً أنهم ينتمون إلى معسكر الاعتدال، وليسوا خارجين عنه.
الرهان على الحركة الأميركية بالنسبة للفلسطينيين يجسد نوعاً من البراغماتية المختلفة كلياً عن الشعارات الموروثة والمتداولة، بما في ذلك الشروط الصارمة التي وضعها الفلسطينيون من أجل العودة إلى المفاوضات، وهي شروط بقدر ما هي عادلة، فإنها اعتبرت عند الأميركيين والإسرائيليين معوقة وتعجيزية.
هنالك قاعدة ميزت العمل الفلسطيني في مجال المبادرات والتنازلات، فهم متساهلون إلى أبعد الحدود حين يكون لأي حركة سياسية أفق يوصلهم إلى حل، وينتقلون إلى العكس حين تتبدد الفرص وتغلق المنافذ. والفلسطينيون الآن يدعون إلى مفاوضات مخففة الشروط المسبقة، وهم يعرفون وفق التجربة أن المفاوضات مع حكومة نتنياهو، وحتى مع إدارة ترمب، لن تكون مجدية في الواقع العملي، كما يرغبون، إلا أن ضياع القضية الفلسطينية في متاهات خلقتها المستجدات الحارة في الشرق الأوسط، وألقت بالقضية المركزية الأولى إلى ذيل قائمة القضايا الملتهبة، جعلهم ينشدون حضوراً بأي ثمن، وتجديد الاعتراف بهم شريكاً، بعد أن لف كل ذلك ضباب كثيف.
لهذا، يستقبل الفلسطينيون الوفد الأميركي القادم من المحيط العربي بتلهف ورهان وحيد، فلعل إدخال العرب بصورة دائمة إلى المشاورات والترتيبات، والتأثير على الخلاصة، ينفع هذه المرة بعد تجاهل أميركي مقصود لهذا السند الفلسطيني الأهم.