د. خالد بن نايف الهباس
كاتب سعودي
TT

إسرائيل وإيران وتركيا

هي ثلاث قوى إقليمية لا يخفى على المتابع والمحلل ازدياد نفوذها وسعيها إلى صوغ التفاعلات الإقليمية بما يخدم مصالحها، غالباً بغض النظر عن حقائق التاريخ والجغرافيا، وبعيداً عن أسس ومبادئ ثابتة في العلاقات الدولية والقانون الدولي؛ أهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأسس حُسن الجوار، والالتزام بالقرارات الدولية. قد يكون هذا تعميماً تختلف مشروعية انطباقه من دولة إلى أخرى من هذه الدول، لكن القاسم المشترك بينها أنها جميعاً تسعى إلى تعزيز نفوذها ودورها الإقليمي على حساب الدور العربي.
إسرائيل دولة محتلة. وجودها كان قسرياً وبالقوة، وكذلك بقاؤها، احتلت أرضاً ليست لها، وهجّرت شعباً من أرضه، وترفض جميع الحلول السياسية، ولا تؤمن بمبادرات السلام ما دام الوضع الإقليمي والدولي في صالحها. كما أنها تملك وسائل القوة والدعم الدولي، مما مكنها من التفوق الإقليمي. الآن تسعى إسرائيل إلى تعزيز مكانتها الدولية وإضفاء قدر أكبر من المشروعية على وجودها، وليس أدل على ذلك من ترشحها للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن للفترة من 2019 – 2020، الذي سيتم البت فيه العام المقبل. كما أنها تسير لهذا الهدف من خلال خطة مرسومة ومدروسة ليست على ما يبدو وليدة الصدفة، وإنما تم التحضير لها منذ عدة سنوات. نجدها تسعى للتغلغل في القارة الأفريقية وكسر الدعم الأفريقي التاريخي للقضية الفلسطينية من خلال القمة الإسرائيلية - الأفريقية المزمع عقدها في جمهورية توغو في أكتوبر (تشرين الأول) 2017. وكذلك سعيها لاستعادة وضعها عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى مشاركتها في تجمعات إقليمية، كما في مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي في القمة الـ51 للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (أكواس) في يونيو (حزيران) الماضي.
ولا يقتصر الأمر على القارة الأفريقية؛ بل تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع دول آسيوية وأوروبية وكسب تأييدها، كما في زيارة رئيس الوزراء الهندي الأولى من نوعها إلى إسرائيل في يوليو (تموز) الماضي دون زيارة فلسطين. وحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي قمة دول «الفيزيغراد»، (المجر، وبولندا، والتشيك، وسلوفاكيا) في يوليو الماضي أيضاً، وموافقة هذه الدول على عقد قمتها المقبلة في تل أبيب عام 2018.
ويبدو أنه ليس لدى إسرائيل ما تخسره في هذا الشأن، فهي تدرك صعوبة، وليست استحالة، الحصول على الدعم الكافي للحصول على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، لكنها أيضاًً تطمح، على أقل تقدير، إلى أن تحصل على دعم يعتد به من قبل دول كثيرة، حتى وإنْ لم تفز بالعضوية؛ الأمر الذي يعطيها أيضاً مشروعية دولية ويخفف عنها الضغوط الدولية المتزايدة نتيجة سياساتها غير القانونية والاستفزازية في الأراضي المحتلة.
إيران هي الأخرى دولة لها مطامع تتجاوز حدودها، وهكذا كانت الحال دائماً. لكن ما تغير في العقود الأخيرة ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أن الطابع الآيديولوجي - الطائفي تداخل مع الاعتبارات القومية - الفارسية، وانصهر هذان العاملان في بوتقة واحدة أصبحت محركاً رئيسياً للسياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما في مناطق الجوار الجغرافي، ووسائل فاعلة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية التوسعية.
الآن نجد إيران تسعى للتمدد في مناطق الجوار العربي من خلال سياسة الميليشيات العسكرية ودعم الأقليات المذهبية، وكذلك في وسط آسيا؛ سواء في أفغانستان من خلال دعمها طالبان التي كانت في يوم من الأيام ألد أعدائها، أو توظيف العامل المذهبي مع شرائح معينة من الشعب الأفغاني، وكل ذلك بطبيعة الحال موجه ضد الحكومة الأفغانية والوجود الغربي في أفغانستان، ولترسيخ نفوذها وتأثيرها في منطقة تماس جغرافي واستراتيجي مباشر. كما أنها سعت، ومنذ وقت مبكر، ومن خلال أذرعها الاقتصادية والعسكرية ومؤسساتها الدعوية، لتعزيز علاقاتها مع بعض دول وسط آسيا، بما تحمله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية جعلتها ساحة خصبة للتنافس الإقليمي والدولي، خصوصاً بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي السابق. هذا يقودنا إلى القول إن إيران تسير، كما هي الحال مع إسرائيل، وفق استراتيجية مدروسة نحو توسيع نفوذها في اتجاهات جغرافية مختلفة؛ الأمر الذي جعلها تمسك بأوراق ضغط كثيرة تستخدمها في علاقاتها الإقليمية والدولية.
أخيراً، يمكن القول إن تركيا، ولو بدرجة أقل بكثير من إسرائيل وإيران، تسعى هي الأخرى لأن تصبح قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في الشؤون الإقليمية، في المنطقة العربية وخارجها. وهذا الأمر واضح من استخدام النطاق الجغرافي في توجيه دفة السياسة الخارجية التركية، حتى وإنْ سعت في مرحلة من المراحل إلى سياسة «تصفير المشاكل» مع جيرانها لتوسيع سلة علاقاتها ومصالحها بما يمنحها النفوذ السياسي ويعود عليها بالنفع الاقتصادي. لكنها سرعان ما تخلت عن تلك السياسة وأصبحت تنتهج سياسة تدخلية توظف الإسلام السياسي من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية؛ الأمر الذي جلب لها بعض المصاعب مع محيطها العربي. ومع احتفاظ تركيا بعلاقات تعاون واضحة مع عدد كبير من الدول العربية، وهو أيضاً أمر حتمه تقلب مسار علاقاتها الإقليمية والدولية، لا سيما مع روسيا والقوى الغربية، وأحياناً أخرى مع إيران، فإن العلاقات العربية - التركية هي الأخرى عرضة للتقلبات التي أصبحت سمة من سمات السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة. وفي ظل تداخل الملفات والأزمات في المنطقة، يصبح رسم حدود واضحة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية للدول أمراً صعباً، ويجعل الديناميكية والبراغماتية هي طوق النجاة، حتى في ظل توظيف العوامل الآيديولوجية والمذهبية من قبل تركيا وإيران على وجه الخصوص.
هذا يقودنا للقول بضرورة وأهمية تعزيز الدبلوماسية الوقائية العربية لدرء مخاطر تمدد القوى الإقليمية في المنطقة العربية، وهو أمر يتطلب تضافر جهود الدول العربية كافة، وتجاوز الخلافات والانقسامات العربية.
* الأمين المساعد للشؤون السياسية في جامعة الدول العربية