سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

وصف المباراة

أنا في حالة اعتذار دائم من الرياضيين والرياضة ومشجعي جميع الفرق والمباريات في كل مكان: كرة سلة، وكرة قدم، وكرة مضرب، وكرة طائرة، وكرة «حاطة». بدأت العمل مبكراً في هذه الحياة، ولم يكن هناك وقت لأي هواية، إلا الغواية التي في طرفها حور.
وعندما أجد كم يهتم أصدقائي بدورة «التنس» في ويمبلدون، أو نتائج «الرغبي» في فرنسا، لا أملك سوى أن أتمنى الفوز للجميع والصحة والسلامة لسكان المعمورة. لكن هناك حالات اضطرار. ومنها أنني قمت منذ مدة بزيارة صديق في باريس، فوصلت إلى داره وهو يتابع مباريات كرة السلة في دبي، لسببين وجيهين: الأول، رياضي مجرد، والثاني وطني. فالمباراة بين الفريق المغربي والفريق اللبناني. ومن غرائب الصدف أن اللبنانيين، في الرياضة بعكس السياسة، يشجعون أبناء بلدهم.
ما إن جلست حتى أشار بيده أن أعطيه قليلاً من الوقت. سألته عن هوية الفريقين المتنافسين، فقال: «المغرب بالأبيض». ولم يرد أن يضيع بقية الوقت. حاولت أن أطرح سؤالاً آخر، فقال: «تابع المذيع». وإذا بالمذيع يقطع الوصف المباشر لينقل برقية تشجيع من الرئيس سعد الحريري. ثم يعود إلى النقل: «دينغا أعطاها لبونغو. بونغو إلى ديامو. ديامو يعترضه الحَكم».
الحقيقة أنني احترت. فلستُ أعرف بين الأسماء اللبنانية، حتى في التصغير للتحبب، بونغو ودينغا. وتأملت جيداً فوجدت لاعبين أفارقة. وعندما انتهت المباراة شرح لي مضيفي أن هذه هي علاقة الروح الرياضية في جميع الحقول والكرات. ففريق كرة القدم الفرنسي نصف أعضائه من أفريقيا. وأبطال بريطانيا من كينيا. ولم يكن لي أن أناقش في مسألة لا أعرف عنها شيئاً. لكنني وأنا أستعيد فيما بعد المشاهد، لاحظت أنني أيضاً شعرت بالحماس. بل شعرت بنوع من التوتر وأنا ألاحق الكرة تُخطف من يد إلى يد. وبلغ الحماس ذروته عندما عثرنا على اللاعب الرئيسي فادي الخطيب، فإذا به يسجل الأهداف يمنة ويسرة، يدافع عنه في الاحتدام، مواطناه بونغو ودينغا. وصحيح أننا لم نربح المباراة، لكن الخسارة كانت مشرّفة. أو، كما قال تشرشل، خسرنا المعركة ولم نخسر الحرب.