حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

غايات حادث برشلونة الإرهابي

واضح من تصاعد الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش الإرهابي، وآخرها حادث الدهس المأساوي في برشلونة، أن «داعش» يريد أن يقول إن دولته المزعومة ليست كأي دولة تقليدية لها حدودها السياسية والجغرافية بحيث لو سقطت حكومتها سقط الكيان كله، بل يزعم أن دولته المزعومة هذه إمبراطورية خفية من نوع مختلف لا تغيب عنها الشمس، فباستطاعتها، من خلال خلاياها النائمة والمستيقظة الموجودين في أنحاء الكرة الأرضية من شواطئ كاليفورنيا غرباً إلى شواطئ الجزر الفلبينية شرقاً، أن تحدد مكان المعركة فتطلق تعليماتها لأحد أتباعها ليشعل شرارة معركة لا يعرف خصومهم متى ولا أين ولا كيف ستبدأ. يريد تنظيم داعش الإرهابي بهذه الحوادث الإرهابية المتصاعدة أن يقول بأن «خلافتهم» و«رعاياهم» وفكرهم «باقية وتتمدد»، وأن الحكومات الغربية التي ساندت تفتيت كيانهم في العراق والشام ستندم حين ينقل «داعش» المعركة إلى العمق الأوروبي.
قد يكون من السهولة رصد القائمة المشتبه بانتظامها في سلك «داعش» سواء كانت خلايا نائمة أو مستيقظة، الخطورة هي في رصد ما سماه المختصون في شؤون الحركات الإرهابية بـ«الذئاب المنفردة»، وهي التي تأثرت بأدبيات «داعش»، خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن تنتمي إلى التنظيم، وهذه النوعية هي الأخطر على الإطلاق؛ فهي بلا سوابق وبلا ملفات لدى أجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والعالمية، وليست تحت الرصد والملاحقة والمتابعة، واللافت أن إحدى الدراسات الميدانية الغربية التي أجريت على عينة من الذين رجعوا من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في خلافته المزعومة، أثبتت أن عدداً منهم لا يعرف أساسيات الدين الإسلامي ولا تطبيقاته، وهذه النوعية «المحبطة» هي الأسهل في الاختراق والأسهل في التجنيد والأسهل في التوظيف، وهذا ينقض التصور السائد بأن التدين هو البيئة الحاضنة لجرثومة الإرهاب.
الداعشيون لا يرقبون في مؤمني الأقليات المسلمة إلاً ولا ذمة ولا همهم الأثر الخطير الذي أحدثته هجماتهم الإرهابية العبثية على المؤسسات الإسلامية في الدول الغربية ونشاطها وجهودها حتى جعلتها في خانة الدفاع تنافح وتبرر وتشرح وتوضح. «داعش» الإرهابي يفرحه أن نشاطه المتشدد وهجماته الإرهابية ساهما في صعود اليمين المتطرف وتعزيز أدبياته المتطرفة، لأن اليمين الغربي المتطرف وإن بدا للناظر أنه معاكس للتنظيمات الإسلامية الإرهابية إلا أنه يتفق معها في الاستفادة من وجود بيئة صراع متأججة التي هي وقودهم في البقاء والانتشار والتمدد.
كل المؤشرات تدل على أن هجمات «داعش» الإرهابية ستتصاعد في الدول الغربية والعربية مع تصاعد الحرب عليهم في معاقلهم في الشام وملاحقة خلاياهم النائمة والمستيقظة في الدول العربية والغربية، هذا صحيح، ولكن الصحيح أيضا أن هجمات «داعش» البائسة المحبطة لا تعدو أن تكون مثل رفس الضحية وهي تذبح ويُراق دمها ومن ثم تموت.