خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ثلاثة في معركة شعرية

المماحكات بين الشعراء والأدباء شيء مألوف، وهو ما جرى بين ثلاثة منهم في بلد المماحكات، لبنان في القرن الماضي. تعرض واحد منهم، جعفر أسمر، للشاعر نور الدين بدر الدين، ودخل الساحة جعفر الأمين، يعظ فيها صديقه، ويدافع عنه، ويحذره من حسد الحساد وكيد الحاقدين، وقد ضمن أشعاره بعض المداعبات والسخريات، كما نجد في كلماته:
حكّم نعالك في رقاب الحسد
حيث التقيت بهم ولا تتردد
نازلهم لا تخش فعل نعالهم
إن قاوموك وفي المنازل اصمد
وابعث عليهم من لسانك عاصفاً
يلقي بهم في بحر غيظ مزبد
«لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى»
إما سكت وكنت مكتوف اليد
فاستعجل الزحف المقدس ولتكن
في مستوى الأحداث ولتستأسد
فعلى خصائصك الفريدة سيدي
تبني مداميك العلى والسؤدد
وكفاك منها إن عددت ثلاثة
القبح والإفلاس والأصل الردي
أمنارتي في الحالكات وفرقدي
ومقلدي في المشكلات ومرشدي
إني لتابعك «الأمين» وإنه
لعلى خطى الهادي يسير المهتدي
فأعر لساني من لدنك بلاغة
ويدي بنعل من نعالك زود
فأخوض معركة النعال مجاهداً
بعزيمة الشهم الأجل الأمجد

ويظهر أن المعركة بالنعال غالباً ما تقع بين الشعراء. وسبق لي أن كتبت في هذا العمود عما جرى بين الشاعر العراقي بلند الحيدري والأديب نجيب المانع، رحمهما الله، عندما تضاربا بالحذاء!
وقد أجاب نور الدين بدر الدين على هذه القصيدة بأخرى، أشار فيها إشارة عنصرية تذكرنا بما قاله المتنبي عن كافور الأخشيدي، وكان ذلك في الإشارة إلى لون الرجل الذي تعرض لنور الدين، وهو جعفر أسمر الحالك السمرة، فقال فيه وقد احتدمت المعركة بالنعال، على شأن الشعراء - كما قلت - عندما تشتد الخصومة:

لا نعل تصفع فيه وجه المعتدي
عما عدا ونرد كيد الحسّد
ما حيلتي مع من يروم لي الأذى
ومن الذي استخلصته فرغت يدي
الأوفياء من الصحاب تفرقوا
وغدوت من جمع اللئام بمرصد
يتربصون بي الدوائر مثلما
يتربص الظمآن عذب المورد
سلوا سيوف الحقد من أغمادها
كرهاً وأي منافق لم يحقد
الحر يبعث قوة من ضعفه
أما تعرض للئيم المعتدي
فزأرت بين جموعهم فتفرقوا
مثل الأرانب وسط غاب مؤسد
وكأنني لم يكفني كيد العدا
حتى شقيت بخبث «عبد أسود»
تعلو به الأيام وهو يذمها
فكأنه علم ببرقة ثهمد