مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

وأذن في الناس بالحج

للكعبة قبل الإسلام مكانه عظيمة، وكانوا وقتها يحجون في (ذي الحجة) لهذا سمي الشهر بهذا الاسم، ويكرمون الذي قبله وهو (ذو القعدة) الذي يقعدون فيه عن الحرب، وكذلك الذي بعده (المحرم) وهو أيضاً حرم فيه القتال.
وقرأت في (سيرة ابن هشام) أبيات شعر (لأبي طالب) عم الرسول عليه الصلاة والسلام، يفصل فيها تقريباً مراحل الحج، وأقتطع لكم بعضاً منها:
وبالبيت حق البيت من بطن مكة / وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه / إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم بالصخر رطبة / على قدميه حافياً غير ناعل
وأشواط بين المروتين إلى الصفا / وما فيهما من صورة وتماثل
وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له / الآل إلى مفضي الشراج القوابل
وتوقافهم فوق الجبال عشية / يقيمون بالأيدي صدور الرواحل
وليلة جمع والمنازل من منى / وهل فوقها من حرمة ومنازل
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا / لها يؤمون قذفاً رأسها بالجنادل
(المشعر الأقصى) عرفات و(توقافهم فوق الجبال) جبل الرحمة، و(ليلة الجمع) مزدلفة.
وعندما جاء الإسلام أبقى الشعيرة كما هي، غير أن الرسول حطم الأصنام وحرم طواف العريان، وقال للجميع: خذوا عني مناسككم، صحيح أن القوم في ذلك الزمن كانوا أحنافاً على ملّة إبراهيم، غير أنهم أشركوا معه أصنامهم.
ويقول الله تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى الله زلفى)
وقد يتساءل البعض: لماذا الطواف سبع مرات، والرجم كذلك سبع؟! لأن رقم سبعة ثبت عند الرياضيين أنه هو (العدد الكامل)، لهذا أيام الأسبوع سبع، والسموات سبع، والأرضون سبع، والمثاني سبع.
ورغم تحمل الحاج التعب والخطورة والوحشة وحتى القتل عبر عشرات القرون، لم تتوقف قوافل الحجاج براً وبحراً والآن جواً، لم تتوقف عن أداء هذه الشعيرة المباركة لمن استطاع إليها سبيلاً.
وأختم بهذه الأبيات الشعرية من حاج مصري أتى عبر البحر طالباً مغفرة الله، تاركاً زوجته وعياله خلف ظهره ومولياً وجهه للذي فطره، وكان ذلك في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وقالها باللهجة الدارجة:
وان جيت حبيبي يا وابور وان جيت حبيبي / لا كنسك وارشك وبالشمع اقيدك
مروق بخوخه يا بحر مروق بخوخه / لا يمسك عكار ولا ريح بدوخه
تحت ظل القلوع أبوشال وجوخه
في رابغ نوى الإحرام ولبس احترامه / يا نهار الهناء يوم خلوه يفك احترامه
يا فرح قلبي ساعة النفرة / وفرحت عيوننا ونزلنا بفرحه
يوم دخولنا منى ونصبنا الخيم وذبحنا الذبايح / وافتكرنا العيال وبقى الدمع سايح