مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

تكرار الحج

في أحد المجالس قال لنا أحدهم مفتخراً: لقد حججت إلى الآن (16) حجة، كلها تقريباً (Five stars) - وهو يقصد خمسة نجوم، فرددت عليه لا شعورياً قائلاً: الله لا يعطيك عافية، الواقع أنني بعدها ندمت على ردي، ولكن ماذا أفعل لقد (بط جبدي) - أي كبدي مثلما يقول إخواننا في الكويت، أو (فقع مرارتي) بالسعودي - وكنت أتمنى أن يفعل مثلما فعلت أنا، حيث لم أحج في حياتي سوى مرتين، الأولى كنت مراهقاً ولم تكن مقبولة (مائة في المائة) بأي حال من الأحوال لأنها كانت كلها (فسوقاً)، والثانية أرجو من الله أن يتقبلها لأنها كانت بالفعل (رزينة).
وها أنا ذا أترك الفرصة لغيري خصوصاً ممن يأتون من بلاد بعيدة ويحجون لأول مرّة، مثل (سنادها دزيتس) الذي قدم إلى مكة من البوسنة والهرسك مشياً على الأقدام في رحلة استمرت شهرين، قطع خلالها مسافة (6) آلاف كيلومتر.
وكذلك الحاج (محمد ماباوتشين) الذي انطلق من الصين عبر دراجة هوائية، واستمرت رحلته قرابة أربعة أشهر قطع فيها أكثر من (7800) كيلومتر.
كما أن الجزائري الإسباني (إسحاق محمد) الذي انطلق من باريس مشياً على الأقدام وقطع خلال رحلته أكثر من (8000) آلاف كيلومتر مروراً بـ(16) دولة.
الذي أستغربه هو مطروح في هذا السؤال: أين المسؤولون المنظمون لتصاريح الحج من الذين يكررون حجهم مرات ومرات، وأصدق مثال على ذلك هي المقابلة التي قرأتها مع الحاج (بنجكو دوكدري) من جمهورية مالي، والرجل على مشارف التسعين من عمره، حيث أكد أن الله عز وجل منّ عليه بأداء فريضة الحج (40) مرة كانت أولها عام 1961.
وواصل حديثه بالقول: لم يكن في المشاعر المقدسة آنذاك الماء الوفير أو دورات للمياه، وكان عدد الحجاج في ذاك الوقت ما يقرب من (250) ألف حاج.
وفي السابق كنا نأتي إلى الحج من بلادنا سيراً على الأقدام، وكانت الرحلة تستغرق سنين، موضحاً أن الحاج عندما كان يعزم على أداء فريضة الحج يقوم بطلاق زوجته، لأنه يعلم أن رحلته إلى الأراضي المقدسة شاقة ومنهكة، وربما يتوفاه الله في رحلته التي كانت محفوفة بالمخاطر والمشاق. انتهى.
ولا أدري كم زوجة قد طلقها في رحلات حجيجه الأولى؟!، وهو يقول: لدي الآن أربع زوجات ولله الحمد، و(22) ابناً و(13) بنتاً، كانت آخرهن قد ولدت قبل أسبوع، أي أنه ما شاء الله ولا حسد، ما زال (يدق سلف)، والله يبارك له في ذريته.