طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«روبوت» في الأفراح والجنائز

من المؤكَّد أنكم تتذكرون الأفراح الشعبية التي جسَّدَتها ولا تزال كثير من الأفلام المصرية، الفرقة الموسيقية بعدد أفرادها القليل، والراقصة التي تحيي الليلة، والعريس لا يكفّ عن التذمر، حيث يبدو أنهم خدعوه ومنحوه العروسة «الخطأ»، ثم العروس التي لحقَتْ بآخر قطار الزواج وهي تبكي حظها العاثر، حيث لم يرضَ بها سوى هذا الرجل، بينما المعازيم الذين جاؤوا لإثبات كرمهم الزائد لا يتوقفون عن دفع «النُقطة» للعروسين، كثيراً ما ينتهي الفرح في مثل هذه الحالات بـ«كرسي في الكلوب»، وشجار، وربما أيضاً قليل من الدماء تتناثر هنا أو هناك، ولكنه في النهاية يظل فرحاً.
هل تتخيل أنه ربما بعد بضع سنوات من الآن ستجد الراقصة صوفينار قد صارت «روبوت» صناعيّاً، وبدلاً من شعبان عبد الرحيم، سيصنعون له بديلاً ينافسه في ملابسه المزركشة والفاقعة الألوان، وحتى في صوته، الذي نشكّ كثيراً في حقيقة علاقته بالغناء، سيتجسد البديل في «شعبولا روبوت» موديل «2020»، تلك هي الحقيقة التي يتجه إليها العالم الآن.
العلم لا يتوقف عن تقديم إنسان آليّ في كل المجالات، حتى تلك التي تعتمد بالدرجة الأولى على المشاعر والأحاسيس، فلقد وجدوا أنه من الممكن تغذية الأجهزة ببرامج خاصة لأداء هذا الدور، من برامج اخترعوها، مثلاً تأليف قطعة موسيقية على غرار بيتهوفن وباخ وريمسكي كورساكوف وغيرهم، قطعاً ستجدها مجرد محاكاة للقوالب الموسيقية العالمية، لأن الروح الفنية لا يمكن تخليقها... إنها الومضة التي تدخل القلب، وستظل الآلة عاجزة عن إنتاج مثلها، على الجانب الآخر، لن يتوقف قطار المحاولة عن إمداد الإنسان الآلي بكثير منها للوصول إلى الومضة السحرية.
ليس الأمر فقط قاصراً على الغناء والموسيقي، في الأحزان أيضاً اخترعوا كاهناً هندوسيّاً (روبوت) يستطيع أداء الطقوس في الجنائز، وهو أرخص من الكاهن البشري، أجر استئجاره لا يتجاوز 25 في المائة من ثمن الكاهن الأصلي، ولهذا فضله البعض، خصوصاً غير القادرين على إحضار الروبوت الذي يستطيع إنجاز هذا الأمر بدقة وقراءة كل الطقوس المصاحبة، لبث روح الطمأنينة في نفوس المعزِّين، أين إذن القلب الذي هو مصدر الفرح والحزن؟ من الممكن عندما نتناول القوة الجسدية أن يخترع الإنسان آلة عملاقة تتجاوز مقدرة الآلاف من البشر، ولكن الدموع والضحكات مصدرها المشاعر، كيف نعثر على بديل صادق لها؟!
دعنا نتأمل الموقف بواقعية، هل نحن حقّاً نتعاطف مع الآخرين؟! ألم يتحول بعضنا إلى آلات تتحرك على قدمين، ضحكنا وبكاؤنا صارا كذباً، انظر مثلاً إلى الإبداع الفني، لم تعد الفرقة الموسيقية، كما كان يحدث في الماضي القريب، تجري بروفات، بل صار هناك ما يعرف بنظام «التركات» حيث يتم تسجيل الخط اللحني لكل آلة منفردة، ثم يتم مزجها هندسيّاً، كانت أم كلثوم وفريد وعبد الوهاب وعبد الحليم وفيروز وغيرهم يجرون عشرات البروفات على اللحن قبل تسجيله، لنشعر وكأنه دفقة إبداعية واحدة.
هل في حياتنا الاجتماعية نشارك حقّاً بمشاعرنا في تقديم واجب العزاء، أم أنه صار مجرد واجب بالمعني الحرفي للكلمة، أغلبنا يشارك في الوجود داخل السرادق، بينما قلوبنا في مكان آخر، عندما يصل الأمر إلى هذا الحد ويغيب القلب وتنسحب المشاعر، يُصبح الروبوت الصناعي هو الأكثر كفاءة من الإنسان في تفجير الضحك أو إثارة الدموع!