مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

الدوامغ اليمنية... ودوامغ الدوامغ!

لكل فعل رد فعل. لذا، فإن الدعوى السياسية الفكرية للجماعة الحوثية تضمر في داخلها عناصر التحدي للطرف الآخر.
أعني التحدي الفكري والعاطفي، وليس العسكري والسياسي، فخلاصة الفكر الحوثي قائمة على وصاية سياسية دينية اجتماعية لمن انتمى للعوائل الهاشمية، العلوية الحسنية الحسينية، حصراً.
تخيل أن ذلك قيل بأرض اليمن، مهد الأقيال والتبابعة، ومعدن قحطان، التي كانت منذ الأزل موطناً للتجارة والزراعة والفروسية.
أنتج ذلك، ومنذ دخل مؤسس الزيدية لليمن، الهادي للحق، يحيى العلوي، صعدة، عام 274 هجرية، توتراً واستفزازاً لأهالي اليمن، أو النخب منهم، بسبب الدعوى الاصطفائية الاستعلائية للعترة العلوية على بقية الناس.
توهمت أن ذلك الأمر صار من تحف التاريخ القديم، لولا أن أرسل لي صديق يمني رسالة من ناشط حوثي، خلاصتها الاستعلاء والوصاية العلوية على بقية أهل اليمن.
سابقاً، أنتج ذلك نقائض وملامح شعرية وردوداً بين شعراء وأئمة الزيدية الحكام وشخصيات يمنية، أمثال الحسن الهمداني ونشوان الحميري.
المؤرخ الحسن بن أحمد الهمداني (توفي 336 هجرية) ناقض دوامغ (العدنانيين) بقصيدة تتجاوز الـ500 بيت في الانتصار لـ(القحطانية)، مطلعها:
ألا يا دار لولا تنطقينا | فإنّا سائلونَ ومخبرونا
نشوان الحميري (توفي 573 هجرية) له القدح المعلّى بالدوامغ، فقال:
يا رُبَّ مفتخر ولولا سعينا | وقيامنا مع جدّه لم يفتخِرْ
وناقض نشوان مفهوم «آل البيت»، بالمعنى السلالي، وجعله معنى فكرياً، فقال:
آلُ النبي همُ أتباع ملته | من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن آله إلا قرابتَه | صلّى المصلِّي على الطاغي أبي لهب
طبعاً الدوامغ، كأدب، تاريخها أقدم من اللحظة اليمنية، فهي بدأت بالعراق مع الشاعر الكميت الأسدي، وردّ عليه القحطاني دعبل الخزاعي.
واستمرت الدوامغ بالتاريخ اليمني سجلاً حافلاً للصراع اليمني - اليمني، للمفارقة ما زال حتى اليوم، ومن هنا تستعاد أدبياته!
العلامة الهادي بن إبراهيم الوزير، وهو من بيت زيدي علوي قديم، كتب قصيدة سماها «دامغة دامغة الدامغة»، أبياتها 170، ومطلعها:
فخارنا برسول الله يكفينا | عن كل فخر وأن الأنبيا فينا
وحتى بعد زوال دولة الإمام يحيى حميد الدين، وابنه أحمد، استمرت الدوامغ بين الجمهوريين وخصومهم، فكتب السياسي المؤرخ الأديب اليمني، الهاشمي، أحمد محمد الشامي، وهو شخص محترم، دراسة خاصة عن ظاهرة الدوامغ، ومعها إضافته الخاصة لهذه الظاهرة، ومنها:
وقد ظل الأئمة ألف عام | بهدي أبيهم متمسكينا
يخوضون المكاره والمنايا | ويعتنقونها مستقتلينا
ليرد عليه السياسي «الجمهوري» الأديب المؤرخ مطهّر الإرياني:
ولم نزعم بأن الحكم | حق لنا نطغى به متحكمينا
ألا إن الأئمة لم يكونوا | سوى فئة من المتثعلبينا
وتستمر الدوامغ... شعراً ونثراً، لساناً وسناناً.