إميل أمين
كاتب مصري
TT

الروهينغا... مراثي الزمن الحزين

بعيداً عن المزايدات الإعلامية والصور المنحولة التي تسعى إلى تعميق فتنة ما، تبقى قضية مسلمي الروهينغا بأبعادها العرقية والدينية كافة، مرثية من مراثي الزمن الحزين الذي نعيشه، حيث العالم يقف صامتاً أمام اضطهاد وقتل وتشريد وحرق عشرات من الأقليات حول العالم، لم ولن تكون الروهينغا آخرهم.
قصة الروهينغا من الناحيتين التاريخية والجغرافية ليس ها هنا مقام تفصيل الكلام عنها باستفاضة، وإنما ما يجب أن يشغل العالم هو التحرك بسرعة على الدوائر كافة لإنقاذ نحو مليون شخص من الروهينغا المسلمين في بورما، حسب منظمة اللاجئين الدولية، وسط تعداد سكان إجمالي يقدر بنحو 49 مليون نسمة أغلبهم يدينون بالبوذية.
التحرك المطلوب يبدأ من أعلى الدوائر الأممية الممثلة في الأمم المتحدة والتي بات عليها وبأسرع ما يمكن استصدار قرار عبر مجلس الأمن يقضي بإرسال قوات حماية دولية إلى ولاية أراكان لحماية بشر يتعرضون للإبادة، ما دامت حكومة بورما تتركهم للمتطرفين من الجيش أو الجماعات البوذية المتطرفة التي تكيد للروهينغا كيداً مزدوجاً عقائدياً تارة وعرقياً تارة ثانية، وتشارك في القضاء عليهم صباح مساء كل يوم، في كل الأحوال.
يعن للمرء أن يتساءل كيف يمكن لمستشارة الدولة ووزيرة خارجيتها في ميانمار، أونغ سان سوتشي، أن ترى «هولوكوست» جديدة لبشر معذبين في الأرض، وتقف عاقدة الأذرع على الصدور وهي التي تحمل التبعات وكذا الاستحقاقات الأدبية لجائزة «نوبل» للسلام التي حصلت عليها عام 1991. وهل يحق لها بعد الآن أن تحتفظ بمثل تلك القيمة الأدبية العالمية الرفيعة أم تعيدها لأصحابها بعد إخفاقها الذريع، حين غضت البصر عن معاناة أبناء أراكان، بل إلى أبعد من ذلك، إذ تنكر وجود عرقية اسمها الروهينغا في بورما بدلاً من الانتصار لمظلوميتهم.
ما يجري في ميانمار اليوم جريمة ضد الإنسانية بالدرجة الأولى؛ جريمة حرب وإبادة، تتجاوز المسألة الدينية والعقائدية، ولهذا رأينا أصواتاً إنسانية قبل أن تكون دينية ارتفعت منددة بالمجازر التي يتسربل فيها مسلمو الروهينغا بالدم.
يحترم العالم في حاضرات أيامنا بابا الفاتيكان فرنسيس كثيراً لمواقفه الشجاعة المجردة والمنزهة عن أي تعصب أو تطرف ديني عقائدي، ففي عظته نهار الأحد 27 أغسطس (آب) المنصرم، أبدى الرجل تضامنه مع أقلية الروهينغا المسلمة وطالب باحترام حقوقها، وكان في فبراير (شباط) الماضي قد ندد في لقاء مع الجماهير بما يجري لهم قائلاً: «إنهم يتعرضون للقتل والتعذيب لأنهم يريدون ممارسة ثقافتهم ومعتقداتهم الإسلامية...»، ويومها أيضاً أضاف «أعتقد أنه ليس من الصواب وصم الإسلام بالعنف... ليس صحيحاً أو حقيقياً القول إن الإسلام هو الإرهاب».
كذلك أحسن كثيراً رجالات الأزهر في القاهرة حين أصدروا منذ أيام قليلة بياناً يدعو العقلاء حول العالم للتدخل لحل الأزمة وبأسرع وقت، ولعل الجزئية التي تستحق الإشادة في البيان هي أن هذه الممارسات التي لا تزال ترتكب ضد المسلمين هناك سوف تجعل من أرض أراكان بيئة خصبة للتطرف والإرهاب، وقد تدفع الكثير من أبناء هذه الأقلية المسالمة إلى ممارسة العنف أو الاستقطاب من قبل جماعات الإرهاب الأسود، وهو ما أكده تقرير لجنة وضع الحلول الدائمة للأزمة هناك برئاسة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، فقد ذكرت اللجنة في تقريرها أن حالة عدم احترام حقوق الإنسان واستمرار تهميش الروهينغا سياسياً واقتصادياً قد تجعل من ولاية أراكان الشمالية أرضاً خصبة للتطرف وقد تصبح أكثر عرضة للتجنيد على أيدي المتطرفين.
ليس سراً القول إن تنظيم داعش في الفترة الأخيرة وبعد الضربات الثقيلة التي تلقاها في العراق وسوريا، يبحث عن مواقع ومواضع جديدة لنفوذه، وبخاصة في دول شرق آسيا، بالقرب من الفلبين، وها هي ميانمار بغطرستها العرقية والدينية تفتح له ولمريديه الأبواب واسعة لتحول المنطقة الزاخرة بالمعتقدات الدينية والمذاهب المختلفة إلى كتلة نيران مشتعلة.
جزء من الأزمة التي نحن بصددها يكشف لنا أمراً مثيراً كاد يغيب عن أعين الكثيرين وقد حذرنا منه من قبل أكثر من مرة في قراءات سابقة، ونعني به ازدياد وتيرة التطرف البغيض لدى البوذيين بنوع خاص، وهناك في الهند الدولة الكبرى والجارة القريبة لميانمار تجارب وقصص مؤلمة لتمييز واضطهاد من الهندوس للمسلمين والمسيحيين في أراضي شبه القارة الهندية، الأمر الذي يمكن له أن يعود بنا ومن جديد إلى تلك الدائرة البغيضة التي نظر لها صموئيل هنتنغتون قبل نحو عقدين... دائرة صراع الحضارات، وتحدث الرجل عن رؤى فكرية وآيديولوجية، غير أنها من الأسف اليوم باتت هناك صراعات دامية ودماء مسفوحة وأطراف مقطوعة، وكأن الكون يمضي إلى نقطة تصادم لا رجعة فيها.
مسلمو الروهينغا ليسوا في حاجة الآن لقراءات زمن المراثي ولا لتنظير البكائيات الحزينة، بل إلى عون ومدد إنساني بأسرع وقت، وهذا ما يجب النظر فيه إسلامياً ومسيحياً ومن قبل كل هذا إنسانياً... فهل من مجيب في ظل الصمت الدولي المخزي؟