سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

دروس «نيوتن»

أتابع زاوية «نيوتن» في «المصري اليوم» لأسباب كثيرة، أهمها النظرة العلمية المجردة إلى سائر القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وطبعاً السياسية. وفي أحيان كثيرة لا يكون «نيوتن» هو الكاتب، بل كبار المصريين الذين يبعثون إليه بالرسائل والآراء، ومعظمها يشبه أسلوبه في الموضوعية والنظرة العلمية.
في زاويته يوم الجمعة 8 سبتمبر يروي قصة مصري بارز تلقى العلاج في لندن. ويُلمّح إلى أن الرجل تلقى المعاملة الأفضل من الممرضين الأجانب، وليس من البريطانيين. هذه تجربة فردية غير قابلة للنقاش. لكن لي شخصياً تجارب أخرى في الحياة البريطانية العامة، كان خلالها البريطانيّون، أو «الإنجليز»، هم الأكثر مَدَنيّة والتزاماً بالقواعد والأعراف والأصول. تشمل هذه التجارب المستشفيات، حيث كان الأطباء والممرضات والموظفون الآخرون أكثر عناية بكثير من زملائهم ذوي الجنسيات الأخرى. وفي مطارات بريطانيا، نلقى معاملة أفضل بكثير من قِبل «الإنجليز» مقارنة بالموظفين ذوي الأصول الآسيوية. وقد أقمنا في أحد أحياء لندن نحو 13 عاماً، كنّا نستعين خلالها بمساعدة «شغالة» من لبنان.
أين كانت تسكن هذه السيدة؟ كانت تقطن في شقة قدمتها لها ولعائلتها دائرة الشؤون الاجتماعية. الشقة كانت في المبنى الملاصق لشقتنا. ينطبق ذلك أيضاً على معظم، إن لم يكن جميع، الذين يعتمدون على مساعدة الدولة سواء كانوا طالبي اللجوء أم كانوا من بسطاء بريطانيا نفسها. تجربتنا الأهم كانت في الحصول على الجنسية البريطانية بالبريد العادي من دون الذهاب إلى أي دائرة في وزارة الداخلية، أو المثول أمام محقّق، أو تقديم أي سجل عدلي. طبعاً لم يعد الوضع بهذه السهولة الآن، لأن الجزر البريطانية قد غمرها القادمون من أوروبا الشرقية والغربية وسواها. لكن رغم ذلك، لا يزال الجميع متساوين أمام القانون. وفي حين ألغى دونالد ترمب حقوق الإقامة لنحو 800 ألف أميركي، فإنه لا يزال في إمكان أي مقيم في بريطانيا مقاضاة الدولة من أجل البقاء في البلاد.
يكتب الأستاذ «نيوتن» دائماً عن تجربة الدكتور مجدي يعقوب وغيره من المصريين والمصريات الجبابرة، الذين نحتوا مكانة رائعة في المجتمع البريطاني. والفضل في ذلك ليس لأجانب بريطانيا، بل لأهلها الأصليين الذين يتعلمون أصول التنشئة المدنية في بيوتهم وفي مدارسهم. ولا حاجة إطلاقاً للتذكير بالفارق بينهم وبيننا. غير أن الحاجة هنا إلى التنويه بالدروس اليومية التي يقدمها «نيوتن» وضيوفه يوماً تلو آخر.