سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

ما الذي يصنع الشعراء؟

من هو شاعر الهند اليوم؟ لا بد من أن هناك «شاعراً في الهند» ومليارها من البشر، لكن ليس هناك «شاعر الهند». ليس هناك طاغور آخر يقرأ شعره العالم وتردد قصيده الأمة الهندية. ليس هناك إنسان آخر يقال فيه إن «الهند هي بلد طاغور».
وماذا يصنع الشعراء؟ هل هي «العصور» كمثل أن تقول العصر الأموي، أو العصر العباسي؟ أم هي المرحلة أو الحقبة، بحيث يكون في العراق في زمن واحد، بدر شاكر السياب، والجواهري، وعبد الوهاب البياتي، ونازك الملائكة، ثم مرة واحدة مَن في العراق؟ ومَن في سوريا بعد نزار قباني وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة؟ وفي لبنان أفقنا ذات حقبة على الأخطل الصغير وسعيد عقل وأمين نخلة وبولس سلامة وصلاح حيدر، ومَن الآن؟ وفلسطين كان لها محمود درويش وفدوى طوقان. ومصر كان يكفيها أحمد شوقي.
من هو شاعر العرب اليوم، من المحيط إلى الخليج؟ ومن هو شاعر فرنسا؟ وأين هو بابلو نيرودا، وتي إس إيليوت، وعزرا باوند، وسرب الشعر الكبير في آيرلندا؟ ومن هو شاعر فرنسا وإيطاليا وإسبانيا؟ وأين لليونانية قسطنطين كفافي، الذي عاش ومات في الإسكندرية وهو شاعر اليونان الأهم.
ماذا حدث؟ هل غادر الشعراء من متردّم؟ لماذا غابوا جميعاً، بكل اللغات وطيف الإيقاعات التي تمتع الروح وتنسرب إلى الذاكرة مثل طعم الحياة؟ ماذا يصنع الشعراء؟ أين مضت عصورهم، من دون أن تترك عنواناً بريدياً؟
أم إن العصر لم يعد يليق بسحر البيان وهوس الإيقاع. مسرع يمضي فيلغي التأمل ويهمل الجمال وينسى أن الشعر يولد تحت برج الترصيع والآهة والشدو؟ ألم يكن هذا، في أي حال، سر طاغور؟ إنه ولد في ظلال الريف، وتنشق رحيق أزهار البرية، وتشنّف بصوت البلابل، قبل أن يهجر إلى المدينة؟ الإنسان يهجر القرية، لكن القرية لا تهجر الإنسان. يرافقه طيفها بألوانه وسكونه مدى العالم ومدى العمر.
أم هي القضايا تصنع الشعراء؟ أم العدوى؟ يكون أحمد شوقي فيكون حافظ إبراهيم، لكن حافظ إبراهيم لا يكون شوقي، وأبو تمام لا يكون أبو الطيب، وأبو حفص الشطرنجي لا يكون أبو العتاهية. تلك هي المسألة، الشعر يقرضه كبار الشعراء. لا تسوية ولا مجاملة يحتملها النشر الذي يمر به الكثيرون، ويبقى الشعر عزيزاً مثل طاووس له ألف لون وألف ريشة، بينما ممكن كتابة النثر بريشة واحدة.