د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

أزمة الاستفتاء

لا يزال الزعيم الكردي مسعود بارزاني ملتزما بإجراء الاستفتاء في وقته في 25 سبتمبر (أيلول) الحالي رغم مطالبة الحكومة العراقية والولايات المتحدة ودول الجوار مثل إيران وتركيا والدول العربية على عدم إجراء الاستفتاء الآن.
السؤال لماذا الإصرار على الاستفتاء في سبتمبر والدعوة للاستقلال الآن... دون الاتفاق مع الحكومة العراقية؟ الإجابة عن هذا التساؤل واضحة، وهي أن الزعيم الكردي يحاول إيجاد حل للأزمة التي يعيشها وحزبه الديمقراطي الكردستاني منذ عامين، بمعنى آخر هو يستعجل قضية الاستفتاء لمنع تكتل الأحزاب الكردية الأخرى ضده... أما السبب الثاني للإصرار على الاستفتاء تمهيداً للاستقلال فيعود إلى الوضع المتدهور في العراق، فقد أكد في مقابلة له مع جريدة الحياة (الأربعاء 9 - 8 - 2017) أن الدولة العراقية مقسمة عملياً وانتهكت أسس الشراكة والدستور، واستدرك قائلاً الحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة بالتأكيد ليس الإقليم مسؤولاً عما آلت إليه الدولة العراقية.
ولكن ما هي إمكانيات نجاح الاستفتاء؟ وهل هنالك إمكانية لاستقلال الإقليم فعلياً... كل التوقعات تشير إلى أن الاستفتاء سوف ينال قبول الأكراد، لأن هذا حلم الأكراد القومي لكن تبقى المعضلة بالمراحل ما بعد الاستفتاء، فمعارضة الاستفتاء تجمع كل عواصم المشرق من بغداد إلى طهران إلى أنقرة، إضافة إلى الدول العربية والدول الغربية الرئيسية بما في ذلك الولايات المتحدة الراعي المهم لحكومة إقليم كردستان.
نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أكد بأن موسكو ستحلل نتائج الاستفتاء في كردستان العراق في 25 سبتمبر الحالي، لكن مسألة الاعتراف بنتيجته أو عدمها غير مطروحة حالياً، وأكد بأن بلاده تدعم وحدة وسلامة الأراضي العراقية وتدعو للالتزام بدستور البلاد.
تعارض إيران وتركيا الاستفتاء، وحذر المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى رحيم صفوي من حرب وفوضى طويلة الأمد في حال استقلال إقليم كردستان، وأكد صفوي بأن هناك مؤامرة جديدة يتم التحضير لها بعد هزائم الإرهابيين في سوريا والعراق.
داخلياً رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أكد بأن الحكومة لن تلتزم بنتائج الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، وأكد بأن الاستقلال الذي يريده الإقليم هو خطوة غير شرعية وغير دستورية، وليس هناك أي رغبة لقبول فكرة الاستقلال في البلاد، وأنه لا يحق لطرف أن يغير واقع العراق برغبة أحادية الجانب من دون موافقة الطرف الآخر.
الكتل النيابية في البرلمان العراقي وجهت انتقادات إلى الزعماء الأكراد لاستعجالهم في إجراء الاستفتاء، وشمول الاستفتاء مناطق متنازع عليها بما في ذلك محافظة كركوك، ودعا النواب إلى طرد كل مسؤول كردي من منصبه في بغداد إذا كان مؤيداً للاستفتاء.
دول الخليج العربية ملتزمة بوحدة التراب العراقي، وقد دعت دول المجلس السياسيين في العراق إلى توحيد صفوفهم، وإعلان حكومة وحدة وطنية توحد كل مكونات الشعب العراقي... أما ما يخص استقلال الأكراد فهنالك تداعيات إقليمية خطيرة على المنطقة ككل، فاستقلال الأكراد في العراق سوف يشجع الأكراد في كل من تركيا وإيران وسوريا على الانفصال عن بلدانهم، وهذا أمر لا يمكن قبوله في أي من الدول المجاورة للعراق.
المشكلات حول استقلال الأكراد بدأت حتى قبل أن يجري الاستفتاء في 25 سبتمبر الحالي، حيث اتهم رئيس الجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي محافظ كركوك نجم الدين كريم باستقدام 200 مسلح من حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا. فنشر هذه القوات في غرب كركوك سيزيد من التوترات في المنطقة، وحذر بأن هنالك لعبة تحاك ضد المناطق التركمانية في العراق.
ما يحتاج إليه العراق اليوم هو حكومة وبرلمان وطني يدير البلاد من خلال دولة علمانية قانونية ديمقراطية، لأن زج الدين بالسياسة خلق حكومة طائفية مزقت نسيج المجتمع العراقي، وأدخلته في متاهات جديدة هو في غنى عنها.