سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

إذا ما كشكشت ربيعة

حاذر، رعاك الله، أن ترمي السادة اللغويين والنُحاة ومَهرة الإعراب بأنهم عابسون لا يضحكون ولا يهوون اللطائف، فقد يفاجئك أحدهم وهو في ذروة الانكباب على بحث الأصول وتعيين الجذور، بأن ردَّ قلنسوته قليلاً إلى الخلف وسخر حتى أضحك.
والمثل الخفيف يعلم أحياناً الدرس العميق ويسهّل على الذاكرة مهامها الثقيلة، ويقرِّب إلى النفس العادية ما كانت تظنه بعيداً عليها، أو صعباً على قدرتها.
وعندما أقرأ للشيخ صبحي الصالح في أبحاثه اللغوية، غالباً ما أكرر القراءة غير مرة. وكان سماحته يفرق بين النحاة واللغويين: أولئك أفق ضيق، وهؤلاء آفاق وسيعة. لذلك حرصت على القول أبحاثه «اللغوية» امتثالاً لرأيه. والامتثال خير من الأدب، قالت العرب. وتأنيث المذكر، قال المستشرق فنسنك، علامات للمبالغة تفيد التكثير، كعلاَّمة وفهّامة. وتذكر العرب المؤنث للغاية نفسها، كالمرأة الحامل والكاعب والعروب. والأخيرة تعني المتحببة إلى زوجها، وفقهما الله.
ولنعد إلى مفاجأة سماحته. ففي بحثه عن لهجات العرب، يتوقف عند شنشنة اليمن، التي تجعل الكاف «شيناً» مطلقاً. وقال: لو أن شاعراً ضمَّن شعره شيئا من كشكشة ربيعة وغدا ينشده في بعض أسواق العرب، لصيروه أضحوكة من التهكم به والتندر عليه. ولكي تتصور مثل هذا الموقف، تخيل رجلاً يكشكش الكافات في قول امرئ القيس من معلقته:
أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعلِ
فهو سوف ينشد البيت هكذا:
أغرتش مني أن حبتشِ قاتلي
وأنتشِ مهما تأمري القلب يفعلِ
كان الحسن الثاني المولع بالعربية يأنس جداً إلى علمائها. وكان في طليعة هؤلاء الشيخ صبحي الصالح. وإذ نتأمل اليوم أسماء مستشاريه ووزرائه، نرى أنهم كانوا في الأغلب من أهل اللغة والفقه والفكر. ولعله كان أكثر علماً من أكثرهم.