سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

حقيقة التدخل العسكري في قطر

بعد 48 ساعة من قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، أُعلن رسمياً عن استعانة الدوحة بقوات عسكرية تركية وبشكل عاجل، مما فاجأ الجميع داخل المنظومة الخليجية وخارجها؛ فالأزمة سياسية ودبلوماسية، والخلاف ليس بجديد، والمطالب من الدول الرباعية معروفة وسبق أن وقّع على تنفيذها الشيخ تميم، وبالطبع لم تُنفذ، والأنظار على حل الخلاف السياسي ضمن الأطر والأدوات الدبلوماسية المتعارف عليها في مثل هذه الأزمات، ولم يعرف عن دول الخليج تحديداً حل أزماتها وخلافاتها بالتدخل العسكري، كل ما حدث أن الدول الأربع مارست حقها السيادي وأغلقت باباً للشر والإرهاب قادماً من شبه الجزيرة القطرية، بينما ردت جارتهم بفتح مجالها الجوي وموانئها، رغم أنها تزعم أنها محاصرة، للجنود والآليات العسكرية في تصعيد خطير وكارثي على المنطقة. هنا أصرت الدوحة على عسكرة الأزمة بلا سابق إنذار، ودون استيعاب أي طريق مظلمة سلكت، بينما هي تجلب قوات أجنبية تشعل نار التوتر في المنطقة ولا تطفئها.
وإذا كان الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحاً بأي حال، والأزمة مع قطر، كما أكدت الدول الأربع في أكثر من مناسبة، ليست خلافاً خليجياً فحسب، لكنها مع عدد من الدول العربية والإسلامية، فإن من يراقب سياسة النظام القطري يعرف أن ردود فعله كثيراً ما تكون صادمة وغير منطقية وثورية، وغالباً ما تسير ضد مصالح شعبه، وما فزعُ الدوحة وارتباك موقفها والترويج لأوهام الخيار العسكري، إلا تأكيد على صحة مواقف الرباعية في مقاطعتها وعزلها حتى هذه اللحظة، كما أن في تصعيدها هذا إرسال رسالة خطيرة تجهل تبعاتها باعتباره اعتداء على أمن المنطقة واستقرارها، وإذا كانت الدول الأربع لم ولن تسعى لأي تهديد عسكري، فهي في الوقت ذاته، مثلها مثل أي دولة في العالم، من واجبها الحفاظ على أمنها، ومن الطبيعي عدم سماحها للدوحة بتهديد أمن شعوبها واستقرارها باستحضار قوات أجنبية إلى قلب الخليج لأسباب واهية، ويا للغرابة دولة في موقف ضعيف سياسياً واجتماعياً وعسكرياً تستفز من هم أقوى منها، ثم تدعي أنهم عازمون على التدخل بالقوة لتغيير نظامها. الحقيقة إن تغيير النظام في قطر لم يكن مطروحاً وإنما الهدف المعلن والواضح هو تغيير سلوكياته العدوانية، لكن سياسات الدوحة تثبت أنها من الضعف بحيث لا تستطيع الحفاظ على استقرار نظامها الحاكم، إلا بالصريخ والعويل بأنها تحت واقع التدخل العسكري للهروب من أزمتها، فأي مراهقة سياسية أكبر من هذه؟!
اختصر الرئيس الأميركي دونالد ترمب كل المسلسل القطري الهزيل في الترويج لحكاية التدخل العسكري وأمام أمير قطر نفسه، مجيباً عن سؤال ما إذا كان قد حذر السعوديين بشأن التحرك عسكرياً ضد قطر بقوله «لا»، وأظن أن موقف النظام القطري كان مخجلاً ورئيس أكبر دولة في العالم يفند قصة ارتكزت عليها سياسة المظلومية القطرية منذ اليوم الأول للأزمة، تبريراً لسماحها بدخول قوات أجنبية بأعذار واهية في سبيل التحريض على الدول الأربع، دون أن يعلم النظام أن هذا السيناريو لا يضر خصومه بقدر ما يثبت أنه فعلاً نظام هش وبات يشكل خطراً على الأمن الإقليمي وأمن دول الخليج.
كذبة أخرى تسقط مصداقية الدوحة أمام العالم، يبدو معها النظام القطري متعرياً من أي غطاء يعينه على مواجهة آثار المقاطعة، وما الترويج لمسرحية التدخل العسكري إلا دليل جديد على مقدار الخوف الذي ينهش في أوصال النظام، وكل يوم يمر تتعمق الأزمة أكثر وأكثر، وتتغافل الدوحة وتغمض عينها. إن الخشية الحقيقية ليست من التدخل العسكري الخارجي المزعوم، بقدر ما هي من سياسات ثورية فاشلة تزيد من الأعباء التي لن تستطيع الدوحة الخروج منها إلا بصعوبة بالغة وتكاليف باهظة.