مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

فتاوى... حيارى... سهارى

من حين لآخر تخرج فتوى لنا من شيخ أو خطيب ما، تثير الجدل وتحدث عاصفة في الإعلام، حتى العالمي منه.
من فتوى قتل الدمية ميكي ماوس إلى إرضاع الكبير، إلى أن قيادة المرأة للسيارة تضرّ بمبايضها، وأخيراً فتوى شيخ مصري هو الدكتور عبد الرؤوف صبري بمواقعة المرأة، الزوجة، المتوفاة!
الأخيرة صارت خبراً محلياً وإقليماً وعالمياً، شأن أي فتوى تصدم الأسماع أو تتناطح مع واقع الحال، فلم تعد هناك أمور داخلية تخصّ بلاداً معيّنة، فكل خبر، مهما بلغ من محليّته، مؤهل لأن يكون على رأس الأخبار في نشرة «سي إن إن»، أو صفحات الجرائد البريطانية والروسية واليابانية.
بخصوص الشيخ المصري فقد قرر مجلس نقابة الإعلاميين في مصر إيقاف المذيع أحمد عبدون مقدم برنامج «عمَّ يتساءلون» على فضائية «إل تي سي»، بسبب استضافته للدكتور صبري عبد الرؤوف صاحب فتوى نكاح الزوجة المتوفاة.
النقابة أصدرت أيضاً بياناً رسمياً بإيقافه بعدما رصدت اللجنة القانونية «الخطأ المهني والأخلاقي الذي حدث على الهواء في برنامجه». حيث تناول فتوى شاذة تفيد بأن معاشرة الزوج لزوجته الميتة أو ما يطلق عليه البعض «مضاجعة الوداع».
في السعودية، أثار الدكتور سعد الحجري، وهو واعظ صاحب فتاوى، عاصفة من الاستهجان، بعد أن انتشر تسجيل له وهو يتحدث عن أن قيادة المرأة للسيارة لا تصلح، بسبب أن المرأة تملك فقط ربع عقل، وليس حتى نصف عقل، ويزيد تناقص العقل كلما قادت السيارة أكثر وخرجت للشوارع.
كثيرة هي الفتاوى والآراء الغريبة، لا يُلام الإعلام في تناولها، لأن الإعلام يبحث دوماً عن الغرائب، وهل ثمة غرائب أكثر من هذه؟!
الفتوى بنهاية الأمر تفاعل «حيّ» بين صاحب التوجيه الديني مع وقائع ومستجدات ونوازل وسياقات و«عصر» مختلف، يستدعي بطبيعته الرأي «الملائم» له.
الشجاعة التي كان يتسم بها الأوائل، أقصد علماء القرون الأولى، أكثر من المتأخرين، ومن يرصد ماذا فعل فقهاء الأندلس والمغرب ومصر والشام العراق والحجاز، يعرف الفرق الكبير بين الأول والآخر. أو أغلب الآخر.
هذا حديث متشعب، لكن يهمنا هنا الإشارة إلى ملاحظة كبيرة، وهي أنه لم يعد هناك حديث للداخل وحديث للخارج، كل شيء يفضي لكل شيء.
إيقاف المصري عبد الرؤوف أو السعودي الحجري، إجراء بعدي تال، لكن القصة الأساسية هي استشعار أن ألسنة النقد وعيون الملاحظة تحيط بكل رأي من جهات الأرض الأربع... فهل تريدون أن يُكذب الله ورسوله، كما في النصيحة الرفيعة الأولى؟

[email protected]