الكل يتحدث عن استفتاء الكرد في شمال العراق. لكن الفنان الكردي العراقي هيمت محمد علي يبدو في واد آخر. إنه يخاطب العالم من خلال الألوان ويتجنب الثرثرة. حتى اسمه اختصره إلى أربعة حروف. وبهذه الحروف القلائل بنى لنفسه شهرة عبرت الحدود وطاف بلوحاته بين المدن. من المنامة إلى طوكيو، مروراً بباريس التي استقر فيها وكان له الحظ الإقامة في منزل للفنانين مشيد من عوارض حديدية كان غوستاف إيفل، مهندس البرج الباريسي الأشهر، قد استخدمها في بناء أحد أجنحة المعرض الكوني الذي أقيم في العاصمة الفرنسية عام 1900.
«لا روش»، أي خلية النحل، هو اسم هذا المبنى المحاط بالأشجار المعمرة والواقع في الدائرة 15 من باريس. وهو يضم حالياً 60 مرسماً يشغلها رسامون ونحاتون من جنسيات مختلفة. وفي صالة أرضية عائدة له، مفتوحة على زقاق ضيق، تستوقف المارة والزوار لوحات كبيرة الحجم ذات ألوان باهرة. إنها الطبيعة بكل نقوشها ونمنماتها وشموسها تستسلم لريشة هيمت عن طيب خاطر. كأن الرسام ينقلنا إلى سهوب شمال العراق المطرزة بشقائق النعمان وأزاهير البابونج. هل قصد ذلك أم أن عينيه اغتسلتا بخضرة الطبيعة في كل مكان زاره؟ لا بد أن شيئا من براعم أشجار الكرز في الجزر اليابانية قد تساقط على أهدابه واندسّ في جيوبه. لذلك؛ قبل تعليق اللوحات على جدران المعرض، أخذها وأسندها إلى الأشجار الكثيفة في حدائق «لا روش»، منزل الفنانين، ونظر إليها من بعيد فوجدها متماهية مع الأغصان المحيطة بها، كأنها نبتت معها.
في المعرض لوحات مستطيلة أو مستديرة تبدو للناظر إليها من بعيد وكأنها سجادات جاءت من بيوت نعمة. تقترب منها لتتبين تفاصيلها المدهشة ولتحاول اقتناص سر الشعاع المنبثق منها. ليس من المبالغة القول إنها رسوم مُشعة، توحي بالدفء ولها سطوع شمس أو بدر مكتمل. لهذا؛ جاء الشكل الدائري مناسباً لها، مع خليط الألوان البرتقالية والصفراء والزرقاء والفضية. هناك فراشات مفضفضة تحلق في فضاء المعرض. كما تلفت النظر لوحات مطوية كأنها رقع من مخطوط قديم، عنوانها «رسائل شهرزاد». وكم كان جميلاً رؤية زوار من الشباب وطلبة الفن، وآخرين المتقدمين في السن، تستند السيدة منهم إلى ذراع رفيقها وترتسم على الوجوه ابتسامات اكتشاف ودهشة. يبحثون عن صاحب المعرض فيلقي عليهم التحية بهزّ الرأس رجل خجول متوسط القامة، ذو شارب كث، يبادلهم الابتسام ويقتصد في الكلام. كأن أحداث وطنه أصابته بالخرس فاستعاض بالريشة عن الحنجرة وراح يطلق آهات ملونة باذخة الجمال، على أمل أن تصدّ البشاعة.
ولد هيمت في كركوك عام 1960، في رصيده 25 معرضاً نصفها في اليابان، والبقية في عواصم عربية وأوروبية. أصدر عنه الأديب والناقد الفرنسي برنارد نويل، بالاشتراك مع الشاعر والناقد العراقي فاروق يوسف كتاباً بعنوان «تمائم العزلة». فللرسام علاقات وطيدة مع الشعراء، ساهم في معارض ومجلدات مشتركة مع كل من السوري أدونيس، والفرنسي أندريه فيلتر، والياباني كوتارو جنازومي، والبحريني قاسم حداد، والعراقي سعدي يوسف والمغربي محمد بنيس.
8:17 دقيقة
رسام عراقي كردي يعرض لوحاته في مبنى من بقايا حديد إيفل
https://aawsat.com/home/article/1032751/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A8%D9%86%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%A8%D9%82%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D9%8A%D9%81%D9%84
رسام عراقي كردي يعرض لوحاته في مبنى من بقايا حديد إيفل
هيمت علي... الفنان اليائس من الكلام يعاقر لغة الألوان
رسام عراقي كردي يعرض لوحاته في مبنى من بقايا حديد إيفل
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة