طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

نصير شمة قبل وبعد «الدال»!

لا يزال هذا الأمر يُثير التساؤل، هل يحق لعازف العود العراقي الموهوب نصير شمة أن يُمنح درجة الدكتوراه في أسلوبية العزف، بينما هو قد تقدم فقط لنيل درجة الماجستير؟
إنه سؤال حار فيه حتى المتخصصون؟ الدكتور صلاح فضل، أستاذ الأدب والنقد رئيس لجنة المناقشة، قال إن هذا النظام معمول به في عدد من الجامعات الغربية، وبخاصة الإسبانية التي شارك هو فيها على مدى أكثر من عشر سنوات، كما أضاف، أن لجنة المناقشة أوصت بذلك ولم تقرر، ومن المؤكد أن مسيرة نصير الفنية تدفعنا إلى الإشادة بإبداعه، لكن الأمر هنا لا علاقة له بإنجازاته بصفته عازفاً ماهراً.
دعونا نفتح الدائرة أكثر، ونفكر معاً بصوت مسموع، هل الفنان في حاجة إلى الحصول على درجة الدكتوراه، بينما هو من الممكن أن يصبح مصدراً لدراسات للحصول على الدكتوراه؟ الرسالة استندت إلى ثلاثة من الموسيقيين الكبار شوبان البولندي، ورياض السنباطي من مصر والمطرب ناظم الغزالي من العراق، الثلاثة قطعاً لم يحصلوا على الدكتوراه، بل لم يكن الموسيقار الكبير رياض السنباطي يكتب النوتة الموسيقية، إلا أنه استطاع أن يقدم لنا أروع الألحان، حتى إن «الأطلال» لأم كلثوم صارت هي قصيدة القرن العشرين.
أم كلثوم أعظم صوت عرفه الوطن العربي، لم تحصل على أي قسط من الشهادات، لكنها امتلكت قدراً كبيراً من الثقافة، عباس محمود العقاد حصل فقط على الابتدائية، فريد الأطرش واحد من أهم ملحني ومطربي وأيضاً عازفي العود في عالمنا العربي، لم يكن في حاجة إلى شهادة تؤكد إجادته في المجالات الثلاثة مطرباً وملحناً وعازفاً، لقد بلغ نجاح فريد وهيام الجماهير به أنه في عدد من الحفلات كان حريصاً على أن يسبقه عوده إلى خشبة المسرح، المفاجأة أن الجماهير كانت تصفق فقط للعود خمس دقائق متتالية.
حلم الحصول على الشهادة، كان ملهماً لمسرحية «أنا وهو وهي»، هل تتذكرون شخصية «دسوقي أفندي» التي كانت بداية انطلاق عادل إمام على خشبة المسرح مطلع الستينات، وتلك اللازمة الشهيرة «بلد شهادات صحيح»؟ سوف أنعش ذاكرتكم، كان دسوقي يعتبر نفسه واحداً من جهابزة القانون، رغم أنه لم يحصل سوى على مؤهل دون المتوسط، بينما المحامي الشهير الذي أدى دوره فؤاد المهندس يستحوذ عل كل شيء، النجاح والفلوس، وهكذا ظل نداء «بلد شهادات» يتردد، على لسانه طوال أحداث المسرحية، كلما شعر بأنهم يهضمون حقه، لقد تغير الزمن عن أيام «دسوقي أفندي» فصار البعض يدفع مقابلاً مادياً للحصول على درجة دكتوراه وهمية.
نصير شمة عرفته شخصياً في نهاية الثمانينات في بغداد، وبعد ذلك انتقل إلى تونس بضع سنوات حتى جاء للقاهرة، وأسندت إليه مسؤولية الإشراف على بيت العود بدار الأوبرا المصرية، لتعليم النشء العزف على العود، وقدم الكثير من الابتكارات أتاحت لذوي الاحتياجات الخاصة القدرة على العزف. إنه ليس مجرد عازف ماهر، لكني اعتبره يمثل حالة استثنائية، يملك ابتكاراً ووعياً وإضافة خاصة، وأسلوباً مميزاً، كما أنه حافظ على تلك الآلة الشرقية من الاندثار، وسط هوجة تقتلع كل الجذور، ربما كان نصير حقاً، وطبقاً لما انتهت إليه لجنة المناقشة، يستحق برسالة الماجستير درجة الدكتوراه، إلا أنه بالنسبة لي وأيضاً لعشاق الموسيقي، سيظل في هذا الجيل قبل وبعد حرف الدال، المبدع الأول للعزف على العود في عالمنا العربي.