إميل أمين
كاتب مصري
TT

مسك الخير... الطريق إلى المستقبل

أيهما أهم وأعظم.. الاستثمار في البشر أم الاستثمار في الحجر؟
الجواب مقطوع به من زمان وزمانين، البشر هم بناة الحضارة، والاهتمام بهم، لا سيما الشباب منهم، هو الأمل الواعد والطريق إلى المستقبل، ولهذا وُجدت مؤسسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المعروفة باسم «مسك الخيرية».
اختيار اسم المؤسسة حكماً لم يأتِ من فراغ، فالمسك أطيب العطور الطبيعية ومن خواصه أنه لطيف ومقوٍ ورائحته محبوبة ومرغوبة من القاصي والداني، وربما هنا القصد، بمعنى أن تنشأ أجيال شبابية جديدة قادرة على الانتشار وأداء أدوار كوسمولوجية تجد لها ترحيباً أينما حلت، أجيال يلعب كل منها دور السفراء لبلادهم، في عالم سريع التعدل والتبدل، ولا مكان فيه إلا لمن يملك ناصية الفهم الواعي والقدرة الكبيرة على التعاطي مع الآخر.
على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، لفتت مؤسسة «مسك الخيرية» الأنظار عبر «المنتدى العالمي للشباب» الذي عقدته في نيويورك وبالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وبحضور عدة مئات من قادة الشباب والعالم، إلى جانب ممثلين رسميين من الأمم المتحدة.
ماذا عن «مسك الخير» بداية، وتالياً عن هدف المنتدى الأخير؟
أما المؤسسة فهي ولا شك طرح جديد من بين طروحات وطموحات الأمير محمد بن سلمان في طريق الإبداع والابتكار، ذلك أن رؤيته للمملكة المعروفة بـ2030 لا تتصل بالمشروعات الحجرية، على أهميتها، بل تهتم بالأكثر بالأحلام البشرية، وفي المقدمة منها ترقية وتنمية الإنسان السعودي ليضحى رقماً متميزاً على خريطة الإنسانية الخلاقة.
في هذا الصدد تأتي جهود «مسك الخيرية» لتمكين الشباب السعودي من صنع تجارب واعدة من خلال اكتشاف وتطوير إبداعاتهم في مجالات متعددة، بما يسهم في صنع التحول الاستراتيجي نحو مجتمع معرفي واقتصاد مزدهر.
بينما الأمر الآخر المتصل بهدف المنتدى هو التلاقي مع الآخر وفتح دائرة النقاش حول قضايا مهمة وحساسة، قضايا من عينة تكريس مفاهيم التسامح والسلام والنهوض بدور الشباب في تعزيز الحوار الحضاري.
يعن للمرء أن يبعث بتحية عالية للقائمين على «مسك الخير» لحسن اختيارهم الطرح والزمان والمكان للمنتدى، أما عن الطرح فذلك لأن أصوات العملة الرديئة من «القلة الباغية» إسلامياً وعربياً، كادت في العقدين الأخيرين تطغى على المجموع، بما له من خلفية حضارية وإيمانية وإنسانية، حتى خيل للناظر إلينا من الغرب أن العرب والمسلمين أناس لا يمكنهم التعايش مع الآخر مرة وإلى الأبد، وهو قول مغشوش ينافي ويجافي حقائق التاريخ، ذلك أن الشعور بالأخوة الإنسانية عبر أربعة عشر قرناً دفع المسلمين إلى التعاون مع غيرهم من أتباع الديانات والعقائد، والانفتاح على ثقافاتهم وحضاراتهم، والنهل من علومهم، والاستفادة من مهاراتهم، دون شعور بالاستعلاء أو الانزواء، بينما اختيار مدينة نيويورك لا يخلو من ذكاء اجتماعي ولمسة إنسانية دونما أدنى شك، لا سيما أنها المدينة التي شهدت قبل نحو ستة عشر عاماً، واحدة من أبشع الكوارث التي حلت بالإنسانية مؤخراً، مهما كان من أمر الفاعل، وبخاصة أن الاتهام قد عمم على العرب والمسلمين كافة، وباتت تهمة الإرهاب تلاحقهم في الغدو والرواح.
ندوة مؤسسة «مسك الخير» اختارت هذا التوقيت الذي يعرف في علم النفس باسم «التوقيت القيم»، أي الفاعل والمؤثر، حيث كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مجتمعون هناك لمناقشة حال ومآل العالم وإلى أين يمضي، وبخاصة في ظل الضبابية التي تعمه، والحروب التي يمكن أن تكون كارثية المحتمل اندلاعها، عطفاً على مآسي العقد الأخير وإشكاليات الهجرة والمهاجرين، وغيرها من القضايا التي تعبر عن «المعذبين في الأرض» أمس واليوم وغداً.
لم يتوقف المنتدى عند حدود قضايا الحوار والجوار واللقاء مع الآخر فحسب، بل تجاوزها عبر حلقات النقاش وورش العمل إلى الانفتاح على أصحاب المبادرات الملهمة والمشاريع الريادية المبتكرة التي تعرض أفضل الطرق العلمية والتجارب العملية لتفعيل قدرات الشباب وتعزيز دورهم في إيجاد عالم يسوده التعاون وتعمه المودة، عالم قادر على جعل الذرة أداة في خدمة احتياجات الإنسانية، لا أسلحة فتاكة لا تجلب إلا الوبال العميم لبني البشر.
من أفضل الحلقات النقاشية التي شهدتها أعمال المنتدى كانت تلك التي تحدثت فيها شابة عربية أشارت إلى حتمية إيجاد حلول من خارج الصندوق التقليدي للأفكار لمحاربة التطرف والإرهاب، وقد أجادت إلى أبعد حد ومد في التفريق بين الإرهاب والإرهابيين كمتطرفين ومرضى نفسيين، وبين جموع الشباب العربي الباحث عن الحياة والساعي لإعمار البشرية، وإعادة وجه الحضارة العربية الخلاق، التي شارك في صنعها يهود ومسيحيون وغيرهم قبل أربعة عشر قرناً.
أفضل ما جادت به مؤسسة «مسك الخيرية» في هذا المنتدى هو اهتداؤها الواعي للغة التي يتكلمها العالم ويحترمها الجميع، لغة الوصل الإنساني والتلاقي الحضاري... مسك الخير.. طريق آمن لمستقبل عربي حر وكريم.