منذ مطلع هذا العام وحتى اليوم، تم عرض 58 فيلم رعب أميركياً عرضاً سينمائياً، وهناك 34 فيلماً مبرمجاً لكي تحتل الشاشات الأميركية وسواها حتى نهاية هذا العام.
هذا مع استثناء الأفلام المنتجة من هذا النوع التي توجهت، أو ستتوجه، إلى رفوف مبيعات الأسطوانات المدمّجة. المجموع يجاور، حسب إحصاءات، 166 فيلماً هذه السنة، وهي في نطاق النسبة ذاتها منذ مطلع هذا القرن.
الفيلم الذي احتل في الأسبوعين الماضيين الرقم الأول في الإيرادات الأميركية، هو فيلم «It» رعب أحبه الجمهور وغالبية النقاد الأميركيين لأسباب من الصعب فهمها لكن النتيجة أنه تربع على عرش الإيرادات إلى أن أزاحه فيلم «كينغزمان: الحلقة الذهبية»، وهو الجزء الثاني من فيلم أكشن جاسوسي - كوميدي.
«It» لا يأتي بجديد على الإطلاق. هو إعادة صنع لفيلم تلفزيوني تم إنتاجه (اقتباساً عن رواية لستيفن كينغ) سنة 1990 لكن السبب في كونه لا يأتي بجديد لا يتوقف عند مقارنته بالفيلم السابق، بل بمقارنته بأفلام الرعب الأخرى.
ها هو المهرج القاتل. المخلوق المخيف. المنزل القديم المتداعي. الدهاليز. الممرات تحت الأرضية. الحمامات الملطخة بالدماء. الفتيان الذين يخوضون تجاربهم الحياتية الأولى وتلك الموسيقى المستنزفة من السبعينات غرار ما كتبه جون ويليامز لفيلم ستيفن سبيلبرغ «لقاءات قريبة من النوع الثالث» (1977).
لكن لا شيء من هذا السير في ركاب معظم ما خرج من أفلام رعب هذا العام أو في الأعوام السبعة عشر الماضية أثر على قدرة الفيلم على الصمود تجارياً. صحيح أن الإقبال بأسره كان ضعيفاً، لكن «هو / هي» (كما يصح تسميته) هو الذي أحب الجمهور مشاهدته أكثر من سواه وبإيعاز من مراجعي أفلام وغالبية نقدية منحازة.
الواضح أن الدوافع الرئيسية الأهم لشيوع أفلام الرعب اليوم تمنحنا عدة أوجه للسؤال الكامن حول السبب الذي من أجله يهوى الناس مشاهدة هذا النوع من الأفلام. شيوع هذه السينما له مرجعيات مختلفة؛ فهي قليلة التكلفة، قياساً بأفلام الخيال العلمي وأفلام الأكشن والسينما المزدانة بالممثلين المشهورين، ومضمونة النتائج خلال وسائط العروض المختلفة. إلى ذلك، لم تعد تتطلب خبرات فنية وأسلوبية واسعة كتلك التي امتلكها مورناو، أو هيتشكوك، أو جورج أ. روميرو، أو جون كاربنتر، أو مارسها كوبريك، وسواه.
هؤلاء استمدوا فن التخويف من فن الإيحاء ثم فن المداهمة. لا شيء يمكن أن يزيل من البال مشهد اقتحام أنطوني بيركنز (دون أن نتعرف إليه) الحمام ليقتل جانيت لي في «سايكو» (1960)، ولا مشهد جاك نيكولسون وهو يدخل رأسه من شق الباب المكسور ليخيف زوجته شيلي دوفال في «ذا شاينينغ» (1980).
الرعيل الحاضر من المخرجين يعمد إلى برنامج جرى اعتماده لا يختلف كثيراً، في سرده وتأليف شخصياته ومواقفه وديكوراته وأماكنه، من فيلم لآخر. حتى برامج الكومبيوتر والمؤثرات الصوتية تتشابه. كذلك تفعيلات تلك الأفلام من زر الكهرباء الذي - فجأة - لا يشتعل إلى الباب الذي يوصد بقوة، إلى الضحايا العالقين من دون حبال في فضاء الغرف. كل ما على المخرج الجديد فعله هو أن يمد بيده إلى الوعاء المعتمد ذاته ويغرف منه. هذا في العموم طبعاً لأن بعض أفلام الرعب في السنوات الأخيرة، مثل «اخرج» (Get Out) لجوردان بيل الذي تحلّى ببعد اجتماعي قلما تلتفت إليه أفلام الرعب الأخرى و«It Follows» لديفيد روبرت ميتشل الذي نرى فيه امرأة تتعرض لقوى غرائبية بعدما تعرّفت وقضت لحظات حميمية مع غريب، كما فأس عظميةBone Tomahawk للمخرج إس كريغ زولر الذي دمج الرعب في إطار فيلم وسترن نفسي وتاريخي.
هناك أيضاً «ماجي» لهنري هوبسون الذي قرّب سينما «الفامبايرز» أكثر إلى محيط الحدث داخل العائلة و«يبدون أناساً» (They Look Like People) لبيري بلاشير الذي يبدو مستوحى من فيلم «يحيون (They Live) لجون كاربنتر (1988).
مع القاتل
لجانب ما تقدم من أسباب، فإن السبب الرئيسي بين أسباب انتشار سينما الرعب بيننا إلى حد أنها باتت واحدة من أكثر أنواع السينما حضوراً اليوم، يعود إلى عامل مهم يبدو بسيطاً من الخارج، لكنه معقد من الداخل، وهو حب الناس للفزع.
في الأساس يتوجه الجمهور للسينما لأنهم يبحثون عن مصدر تأثير. هي توفر لهم الضحك والبكاء والإثارة وحس المغامرة وغرابة الفانتازيا و... الخوف. هذا العامل الأخير مطلب نفسي للشعور بأن أشياء قبيحة وشنيعة وقاتلة تقع مع الغير ولا تقع معهم. بذلك يسري خلال المتابعة، ويمتد لما بعدها، الشعور بالرضا لكون ما وقع ما زال في نطاق الشاشة وحدها. الخروج من قاعة السينما إلى الحياة العادية يمنح المرء نظرة متجددة بأنه ما زال بخير.
هذه النظرة تلتقي مع ما نشره دكتور غلن وولترز في مجلة «جورنال أوف ميديا سايكولوجي» قبل نحو ثماني سنوات محدداً ثلاثة أسباب تدفع الجمهور للنزوح إلى سينما الخوف، وهي التوتر والرعب والعنف.
وهو لاحظ أن عرض فيلم تسجيلي حول ذبح بقرة أو إطلاق النار على قرد أو سلخ ماشية وطهيها سيدفع معظم المشاهدين إلى عدم متابعة الفيلم، لكن إذا ما وردت هذه المشاهد في فيلم رعب روائي فإنه سيتابعها بقليل أو بكثير من الشغف (يتوقف ذلك على قوّة الفيلم البصرية والدرامية).
وجد الباحث المذكور الجواب في طيات بحث سابق قام به عالم نفس آخر، هو ماثيو ماكولي، الذي فسر الأمر بأن الفيلم التسجيلي هو الواقع والفيلم الروائي هو الخيال. لأن «الفيلم الواقعي يلغي المسافة بين المشاهد والحقيقة، ما يزعجه ويدفعه لعدم مشاهدة المادة المصوّرة، بينما يحافظ الفيلم الروائي على تلك المسافة لأن المشاهد يدرك أن ما يراه ليس واقعياً».
المخيف في الموضوع هو الجانب الذي يدركه الناقد المتابع بنفسه (وإذا ما بحث عنه في المصادر النفسية وجده فيها أيضاً) وهو أن قسماً كبيراً من المشاهدين الذكور (وهم النسبة الغالبة من روّاد أفلام الرعب) تجد في القتلة متنفساً لرغبة داكنة تكمن في الذات وتوافق على ما يقوم به القاتل (وهو عادة ما يكون مخلوقاً مشوهاً نفسياً وبدنياً) من جرائم.
بالتالي، ينحسر التعاطف مع الضحايا إذا لم يُحِطْهم الفيلم بما يلزم من سلوكيات بطولية ويعرِّهِم من أي قدرة على الدفاع عن أنفسهم، لأن هذا الجمهور يخشى في الحياة الحقيقية أن يكون ضحية وقد لا يدري كيف لا يكون ضحية إلا عندما يشاهد بريئاً سواه يقع تحت براثن القاتل وما يثيره من خوف.
في فيلم «It» لأندي موشييتي، طرق ساذج لهذا الجانب، عندما يتوجه الفتية الشجعان إلى المخلوق المرعب برسالة مفادها أن السبب في سقوط البشر كضحايا يعود إلى خوفهم، لكن إذا ما توحدوا فإن المخلوق (المخيف) هو الذي سيشعر بالخوف وسينهزم.
هذا التفسير شائع، بوجوه متعددة، منذ فيلم «نوسفيراتو» سنة 1922 ولو تحت أسماء أخرى (كأن يسقط المخلوق المخيف في الحب كما في «كينغ كونغ» مثلاً). لكن «إت» سوف يستخدمه، نقلاً عن مفهوم استقاه ستيفن كينغ، في شكل حوار سريع يحل به المعضلات المتراكمة.
الفيلم مشوق حتى المشهد الذي نرى فيه المهرج القاتل يظهر لولد صغير من بالوعة الطريق التي تبدو من الكبر بحيث تسع لسقوط سيارة من حجم «ميني كوبر». وهذا يقع في الدقائق العشر الأولى من الفيلم. بعد ذلك هو توهان ما بين تقديم فيلم حول فتيان في نحو السادسة عشرة من العمر (وفتاة واحدة) يخوضون مغامرة ضد الوحش ذي القدرات غير المتعددة، واحتواء نص حول مستضعفين بينهم (فتى أسود وفتى بدين وفتى يهودي وفتاة تعاني من والدها الذي يريد استحواذها). هذا الجانب كان يمكن تقديره لو أُجيدَت صياغته، ولو أن الفيلم لم يعمد إلى ذلك الوعاء ذاته من عناصر التخويف الجاهزة التي استخدمت أخيراً مرات متوالية.