مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الأرض كلها مسجد وطهور

منذ ما يقرب من ستة أعوام طرح (مجلس الشورى) السعودي فكرة إغلاق المحلات التجارية في التاسعة مساء، وهي في حد ذاتها فكرة إيجابية، غير أن تطبيقها تعترضه عدة عوائق أو إشكاليات تتحول بعدها الفكرة من إيجابية إلى سلبية، لهذا لا تزال تلك الفكرة تراوح في مكانها بين أخذ ورد.
الذي يجعل ذلك الاقتراح سلبياً هو أن المحلات التجارية تجبر على أن تغلق أبوابها وتمتنع عن البيع خلال الصلاة ابتداء من الظهر حتى العشاء مروراً بالعصر والمغرب، وإذا طبق هذا الاقتراح فمعنى ذلك أن هناك ساعتين ضائعتين من العمل، لهذا تلجأ المحلات لتعويض هذا الوقت الضائع لساعتين إضافيتين، وهذا الأمر له تبعات، منها سهر الموظفين والطلاب والإفراط في الاستهلاك.
فلو أن المملكة عملت مثل بعض الدول، أي تغلق المحلات في التاسعة، فعندها سيحفظ الأمن أكثر، وتقل حوادث السرقة، وتنخفض معدلات الجريمة، مثلما يؤكد المتابعون لهذا الموضوع، على شرط هو عدم إغلاق المحلات وقت الصلاة، وقد سبقني بعضهم إلى ذلك الاقتراح مستندين إلى أن القرآن الكريم لم يدعُ للإغلاق صراحة إلاّ في آية واحدة معروفة وهي: «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع»، ولم يقل في «كل الصلوات».
ومن المعروف أن إغلاق المحلات هو إجراء مستحدث، فمنذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى عهد الخلفاء الراشدين، مروراً بالعهدين الأموي والعباسي، وإلى كل العهود اللاحقة حتى الآن، وفي كل الدول، تقام الصلاة في المساجد أو أمام المحلات جماعات، وفي الوقت نفسه تظل المحلات مفتوحة، وإذا كان في المحل أكثر من واحد، فيصلي بعضهم بعد بعض بالتناوب، خصوصاً أن الله جعل الأرض كلها مسجداً وطهوراً.
ويحز في نفس الإنسان عندما يشاهد المحلات مغلقة في تلك الأوقات، ويرى النساء وهنّ يجرجرن أقدامهن في الممرات متعرضات للمضايقات، وبعض العمالة غير المسلمة سعداء يتضاحكون ويدخنون السجائر.
بل من الأمور غير المنطقية أنه حتى الصيدليات ومحطات الوقود تغلق في هذه الأوقات.
وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى، أنني عندما كنت يوماً مسافراً من الرياض إلى الطائف بسيارتي في شهر رمضان، وانتبهت إلى مؤشر (التانكي) الأحمر، فتوقفت عند المحطة وقت صلاة العصر، فرفض العاملون (غير المسلمين) التعبئة، واستسلمت للأمر مع أنني كنت على سفر وغير صائم، وسبق لي أن صليت في الطريق (الظهر والعصر) جمعاً وقصراً.
حقاً إنها قضية لست مؤهلاً للخوض في تفاصيلها، لأن هناك من هم أدرى مني بشعابها.
وكلكم تعرفونني، عندما أحشر نفسي أحياناً (عمّال على بطّال)، وهذه طريقة غير مستحبة، لهذا فقط سوف أسأل أهل الذكر.