مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أهل العقول في راحة

لا أدري هل أبدأ بتحطيم مجانين «طالبان» تماثيل باميان في أفغانستان، التي نحتت ومضى عليها 1500 سنة وهي تنعم بالأمان حتى بعد دخول الإسلام إلى أفغانستان، أم بما فعله «الدواعش» الحمقى بتحطيمهم التماثيل الغرانيتية الرائعة في العراق، التي صمدت آمنة أكثر من ثلاثة آلاف سنة؟!
كل واحدة من هذه الفعلات الشائنة الهمجية تستحق أن تكون مدخلاً لمقالي الاحتجاجي هذا.
ولكن دعونا من هذه، وتعالوا معي إلى وقتنا الحاضر، وها هو أحد أساطين (الإخوان المسلمين) يدعو بالحرف الواحد قائلاً: يجب تحطيم أبو الهول والأهرامات وكل التماثيل التي تمتلئ بها مصر، متناسياً أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حطم الأصنام في وقته لأنها كانت تعبد من دون الله، ولكن بعد أن استتب الإسلام انتهى زمن التحطيم، وها هو الصحابي عمرو بن العاص عندما دخل مصر لم يحطم تمثالاً واحداً، واليوم وبعد أن دخل العالم في القرن الحادي والعشرين، من هو الأهبل من المسلمين الذي يفكر في عبادة تمثال؟
في حديقة عامة في روما شاهدت تمثالاً لأحمد شوقي مكتوباً تحته بيت له من الشعر يقول:
قف بروما وشاهد الملك واشهد
أن للـملك مـالكاً سبحـانه
وشاهدت في أكبر ميادين قرطبة بإسبانيا تمثالاً منصوباً لابن رشد.
وفي السنة التي حكم فيها الإخوان مصر، حطموا تمثالاً لشاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري، بل وأطلقوا على رأسه الرصاص، ودعوا كذلك لتحطيم تماثيل سعد زغلول وطلعت حرب ومحمد عبد الوهاب وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، بل إن تمثالاً لأم كلثوم دهنوا وجهها بالشمع والفحم، ولم يكتفوا بهذا بل إنهم فوق ذلك نقبوها بعباءة سوداء.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فقبل ما يزيد على عشرة أعوام، دعوت بعض الأصدقاء والمعارف لوليمة عشاء في بيتي، ونادراً ما كنت أفعل ذلك، المهم أنني تفاجأت بأحدهم يطلب مني أن أخرج تمثالاً برونزياً في مجلسي، فقلت له مجاملاً: إنه مصبوب وليس منحوتاً، فقال: حتى لو كان ذلك، فقلت له: إن حاله كحال باربي ولعب الأطفال، فقال: حتى لعب الأطفال حرام، ثم قال بغضب: إما أن تخرجه الآن حالاً أو أنني سوف أخرج. وعندما ضاق ذرعي به ما كان مني إلاّ أن أقول له: لو أنك لم تكن ضيفي لقلت لك «الباب يفوّت جمل»، وإذا به ينهض وقبل أن يخرج التفت لي قائلاً: خلي باربي تشفع لك يوم القيامة.
لم أرد عليه ولكنني تبسمت وقلت بيني وبين نفسي: لا حول ولا قوة إلاّ بالله... أهل العقول في راحة.