د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

أيدي الإسلام السياسي الخفية

للأزمة الليبية أطراف كثيرة محلية وإقليمية ودولية، شركاء متعددون في صناعتها واستمراريتها، وهناك من يمثل الدولة العميقة، التي هي مشابهة لفكرة دولة داخل الدولة، قد تستخدم العنف بطريقة خفية في الأغلب للتأثير على النخب السياسية لضمان تحقق مصالح معينة ضمن الإطار «الديمقراطي» ظاهرياً، وبتعريف آخر، هي شبكة مصالح متشابكة ومترابطة أفرادها يعملون لهدف مشترك وهو الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم خارج إطار القانون والمجتمع والدولة، بمعنى آخر دولة داخل الدولة أو دولة فوق الدولة، في ظل وجود أغلبية صامتة، لا تسمع منها حتى همسة عن الوطن والوطنية سوى حديث عن التضحية قد يكون لخصه المفكر برتراند راسل، بقوله: «الوطنيون دائما ما يتحدثون عن الموت في سبيل بلادهم، لكنهم لا يتحدثون أبداً عن القتل في سبيلها».
شركاء الأزمة منهم النخبة التي أغلبها جلساء حزب الكنبة (المتفرجون)، بهم تحولت ليبيا لمجرد شاشة تلفزيونية وهاتف يتحدث فيه، أو «فيسبوك» يثرثر فيه، ما يظن أنه نافع وحل لأزمة الوطن، وهو جالس على كنبة مكتفٍ بالفرجة والثرثرة دون المشاركة أو الحركة قيد أنملة بعيدا عن كنبته.
شركاء الأزمة أيضا التيار المدني و«منظمات المجتمع المدني» الحاضرة بأسماء وواجهات كثيرة والغائبة عن أي تأثير أو تشكيل قوى فاعلة يمكن لها أن تكون ضاغطة لتصحيح المسار الخاطئ، المنظمات التي فشلت حتى في تنظيم المجتمع وتنظيم اختياره الانتخابي عبر تثقيف المواطن بالحرص على خوض حقه الانتخابي، الذي سبق أن أخطأ اختياره فيه مرتين، تحولتا إلى كارثة ديمقراطية تسببت في «فوبيا» لكثيرين منه جراء الحبر الأزرق عند الانتخاب، بسبب تكرار الخطأ نفسه باختيار الشخوص الخطأ في دورتين انتخابيتين للبرلمان، الأولى باسم المؤتمر الوطني العام، والثانية باسم مجلس النواب، وكلاهما لم يغادر السلطة بانتهاء ولايته الانتخابية، وأصبحا شركاء الأزمة الليبية.
ضعف أداء التيار المدني ومنظمات المجتمع المدني مقابل قوة وخبرة التيار المؤدلج مثل الإسلام السياسي من تنظيم الإخوان وإخوته من جماعات الإسلام السياسي، التي تدربت وأثرت في مجموعات تجيد تحريك جموع الناخبين وخداعهم والآخرين، وتمرير وضمان فوز أنصارهم المعلنين وحتى المتسترين بشخصيات أخرى عبر الخداع الانتخابي.
عودة جماعات الإسلام السياسي ونجاحها في الولوج من النافذة، بعد طردهم من الباب، جاء بسبب افتقار الخبرة في إدارة الأزمات عند التيار المدني، ووجود الدولة العميقة وأخطبوط المصالح المشتركة.
من بين شركاء الأزمة أيضا الحكومات المتنازعة الحالية الحاضرة الغائبة عن الأحداث، خارج حدود العاصمة، يدفع من هم خارج المركز للاتجاه نحو تأمين أنفسهم، والبحث عن نظام فعال يوفر لهم الأمان الذي فشلت الحكومات المتنازعة في توفيره، ولهذا قد يكون النظام الفيدرالي أقرب صيغة مناسبة للحكم في ليبيا، بعد أن حوّلت الحكومة الحالية وسابقاتها ليبيا إلى الاقتراب من الدولة الفاشلة، والضعيفة في السيطرة على من هو خارج حدود العاصمة، بسبب تكرار منهج التهميش.
شركاء الأزمة أيضاً هم الميليشيات بشتى أنواعها، وخاصة تلك المستوطنة في العاصمة، سواء التي تشكلت داخلها، أو التي جاءت من مدن خارجها لحماية مصالحها، وفرض أجندتها بحجة واهية هي تأمين العاصمة «بكتائب جهوية مسلحة»، سبق لبعضها أن كانت السبب في إرباك المشهد وحصار الوزارات، كلما تعرضت مصالحها للخطر.
باستمرار عبث شركاء الأزمة الليبية سيستمر نزف دم الوطن والمواطن، إذا ظلت الأغلبية المدنية الصامتة شركاء في حزب الكنبة، ويمارسون الفرجة، مما مكن وسيمكن للأشرار من الاستمرار في حكمهم بوجوه وأشكال عدة.