إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

ثريا و العرش

«هذه القلادة هي نسخة طبق الأصل من عقد الماس الذي صاغه هاري ونستون خصيصاً لثريا ملكة إيران السابقة». كان البائع يراقب بريق نظرات السائحات الأميركيات العجائز وهن يتفحصن القلادة المحفوظة وراء خزانة مقفولة. لكننا لسنا في صالة مزاد شهير بل على رصيف سوق البراغيث في باريس، ملتقى عشاق الأنتيكات التي ترجمها العرب إلى عاديات، ومفردها عادية، أي قديمة، كأنها نُسبت إلى زمن عاد وهود.
لم تكن القلادة هي ما يبرق وراء الزجاج، بل أسطورة صاحبتها التي أغمضت عينيها الحزينتين، للمرة الأخيرة، في مثل هذه الأيام قبل 15 عاماً. كانت قد اختبأت مثل العصافير لتموت في شقة خرساء بأرقى أحياء باريس. ثريا اصفندياري بختياري.. اسم يترافق مع حكاية طلاقها المحتوم من شاه إيران. جاء شقيقها الوحيد لينقل جثمانها ويدفنه في ألمانيا، بلد والدتهما. كان من المستحيل أن يعود بها إلى إيران لترقد في أصفهان، مسقط رأسها. وقبل المراسم ألمّت أزمة قلبية بالشقيق فخرجت جنازتان.
يوم طلّق محمد رضا بهلوي زوجته الأولى فوزية، شقيقة ملك مصر فاروق، شمّرت والدته ذراعيها بحثاً عن عروس جديدة بين بنات العائلات، تجمع صورهن وتعرضها عليه. ومن بين الجميع أعجبته الحسناء البختيارية التي كان أبوه قد أمم أراضي أبيها. وطارت الأميرة شمس، شقيقة الشاه، إلى لندن لترى المرشحة التي كانت تدرس هناك. ولما فاتحتها في موضوع الزواج، تدخّل والد ثريا وأبلغ ابنته أن مهمتها ستكون إنجاب طفل ذكر يرث عرش إيران ويوطد دعائمه. وعادت شمس إلى طهران ويدها بيد العروس التي لم تكن قد بلغت العشرين بعد. وجه كالقمر. كيف كان له ألا يحبها من النظرة الأولى؟ وهي أيضاً أحبته، أي راقت لها مظاهر النفوذ وبريق القصور والمجوهرات التي أغدقها عليها. وعندما مرضت بالتيفوئيد، قبل العرس، كان يضع لها زمردة على الوسادة، كل ليلة، تضاهي شعاع عينيها. لكن العروس لم تتمتع بشهر عسل طويل. انقلب محمد مُصدّق، رئيس الوزراء، على السلطة العليا وأمم النفط، وهرب بهلوي مع أسرته إلى روما ولم يعد إلا بعد هدوء العاصفة.
تدور ساعات الحائط في قصر «غولستان» وتدقّ دقّاتها والكل ينتظر ولي العهد. وفي كل شهر، طوال سنوات، تواجه ثريا علامات الخيبة على ملامح حماتها. وكان لا بد من تغليب مصلحة العرش على وجيب القلب. وفي الثالث عشر من فبراير (شباط) 1958، غادرت الملكة القصر وفي جيبها جواز سفر دبلوماسي وفي حقائبها الغالي والنفيس من المجوهرات. لقد وهبها طليقها كل ما رغبت فيه، بحيث إن ما حملته معها فاق بأضعاف ما حملته فرح ديبا، زوجة الشاه الثالثة، وهما يغادران طهران على عجل. وفي مذكراتها، كتبت ثريا: «عشت معه سبعة أعوام من السعادة، بعدد الكواكب التي تضمها مجرة الثريا في الفضاء».
تنقلت في عواصم أوروبا وجرّبت الظهور في السينما، تحقيقاً لحلم قديم. لكن فيلمها مرّ دون موهبة تلفت النظر. ولما ربطت علاقة بين ثريا والمخرج فرانكو أندوفينا، لقي هذا مصرعه في حادث طائرة صغيرة. وقيل إن الحادث مدبّر. ودخل في روع ملكة إيران السابقة أن لعنة تلاحقها، وشائعات كثيرة. لكنها أعلنت: «الملكة لا تتزوج مرتين». لاذت بشقتها في العاصمة الفرنسية لا تستقبل سوى أصدقاء بعدد أصابع اليد. تتسلى بالتردد على مقهى للإنترنت لكي تتعلم ثقافة العصر. قبل ذلك، كانت الأوضاع انفجرت في إيران. خرج طليقها إلى المنفى ومات بعيداً عن عرشه. وجاءت أرملته الإمبراطورة السابقة فرح ديبا لتقيم في باريس، غير بعيد عن ثريا، دون أن تلتقي المرأتان. الأولى فشلت في أن تلد ولياً للعهد، والثانية أنجبت الوريث لكن «عرش الطاووس» طار ولم يعد... حتى اللحظة.