نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

كل القلوب معهم... وكل السيوف عليهم

بدا المشروع الكردي لساعات قليلة كما لو أنه قيد التحقق، ورغم الخوف الغريزي عند العرب على وحدة أقطارهم، لكانت أكبر نسبة من المتعاطفين مع الحلم الكردي بالاستقلال هي من بين العرب.
وخلال التطورات التي حدثت بهذا الشأن قبل الاستفتاء وبعده، راقبت الانفعالات في فلسطين كعينة عربية حول هذا الأمر. وفلسطين والفلسطينيون يصلحون كمؤشر ذي دلالة في الموقف من القضية الكردية؛ ذلك أن الأكراد في فلسطين في وعيهم وفي حياتهم هي ظاهرة إيجابية، تاريخياً من خلال ارتباطها بالقائد العظيم صلاح الدين، واجتماعياً من خلال اندماج الأكراد بصورة كاملة في الحياة الفلسطينية بالتصاهر، إذ لا توجد الآن عائلة فلسطينية لا يسري في عروقها إلى جانب الدم العربي دم كردي.
ولو أحصينا الشهداء الفلسطينيين في مسيرتهم التحررية، لوجدنا عدد الأكراد الفلسطينيين من بينهم يفوق نسبتهم العددية من السكان، فهم في كل المواقع، ونادراً ما يشار إلى أي منهم بالتذكير بجذره الكردي.
غير أن كل هذا، سواء كان في فلسطين وحدها وعلى مستوى العالم بأسره، لا يعمل واقعياً وحسابياً لمصلحة الحلم الكردي بالاستقلال، عبر الممر الحتمي وهو الانفصال.
وأخال الأب مصطفى بارزاني والابن مسعود، جربا جعل الحلم حقيقة. فكان أن نجح الأب جزئياً ولم يحقق كامل الحلم، وكان ذلك نتيجة قراءة موفقة في حينها للمعادلة العراقية والإقليمية والدولية، التي من دون توافق عناصرها فلا أمل للأكراد في دولة. أما مسعود الذي قاد المحاولة بتأسيس بنية تحتية لكيان كردي أقرب واقعياً إلى الاستقلال، لم يقرأ جيداً المعادلة الإقليمية والدولية التي لم تتغير في الجوهر منذ عهد أبيه، فقد كانت النتيجة الأولية انتكاسة مبكرة للحلم إقليمياً ودولياً لشعب صدق أنه يعيش عالماً يضع صندوق الاقتراع الذي أفرز تسعين في المائة من تأييد الاستقلال، كما لو أنه صاحب القرار الإقليمي والدولي.
في المسألة الكردية، انعطف التاريخ بمساره لتسجل أحداثه ووقائعه بمصطلح عميق التأثير والدلالة: ما قبل كركوك وما بعدها.
كان يتعين على النافذين في إقليم كردستان ولو من قبيل التحضير للمجازفة، إجراء استطلاع ليس لرأي الأكراد، وإنما لمواقف دول الإقليم والعالم من المسألة، عبر سؤال بسيط ومباشر: «هل ستعترفون بنا كدولة مستقلة، وتقيمون علاقات طبيعية معنا؟».
وعلى ضوء الأجوبة التي تتخذ سمة التعهدات، يخطو أصحاب القرار في الإقليم خطواتهم التالية، ويبدو أنهم استبدلوا الاستنتاجات بهذا الاستطلاع الضروري والحيوي، وتضخمت في حساباتهم المكافآت المنتظرة على الإنجازات الكردية في العراق وسوريا خلال الحرب على «داعش»، التي مهما اتسعت تظل محدودة في سياق تشكيل وضع المنطقة لما بعد الحرب.
في الحياة تظل الأحلام كامنة في القلوب وفي الجينات، تخبو لمدة طويلة أو قصيرة من الزمن، إلا أنها تستيقظ مجدداً مع أول فجوة تاريخية تسنح لانبثاقها من جديد، لهذا ستظل القضية الكردية قائمة، وستظل بحاجة إلى أن تعالج من قبل أربابها بحكمة وحذر، ويظل السؤال المصيري مطروحاً: هل من مصلحة الأكراد الاندماج في المجتمعات والكيانات التي يعيشون فيها وبينها، أم يذهبون وراء حلمهم المشروع إنسانياً، والمرفوض سياسياً؟
تجارب الماضي تصلح للاستفادة منها في اتخاذ قرارات حكيمة تتفادى نزف الدم والسقوط من منتصف الجبل إلى سفحه، فعلى أشقائنا الأكراد أن يتبصروا ويقرروا.
هل تذكرون المقولة التاريخية: «قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية»؟
لا نريد أن يحكم أحباؤنا الأكراد بالمعادلة ذاتها، وربما النتائج ذاتها.