طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

القدرة تهزم القوة

لا يمكن إحالة الإبداع إلى معادلة رياضية تستطيع من خلالها وبالأرقام تحديد قوة العمل الفني. من المعروف مثلاً أن رائعة فريد الأطرش «الربيع» كانت المحطة الأولى لها هي أم كلثوم، تمنى شاعر الأغنية مأمون الشناوي أن ترددها بصوتها، كان لديها بعض التحفظات على عدد من الكلمات، طالبت مأمون الشناوي بتغييرها، إلا أنه رفض، فتوجه بها لصديقه فريد الأطرش، الذي لحنها في أقل من 24 ساعة وعرضها مجدداً على أم كلثوم، فأصرّت على موقفها.
لا نزال حتى الآن لا نعترف بقدوم الربيع؛ إلا إذا سمعنا فريد يردد بصوته (أدي الربيع عاد من تاني).
سألت مأمون الشناوي ألم تندم لأن الست لم تقدم الأغنية بصوتها، من المؤكد كانت ستحقق نجاحاً مضاعفاً؟
أجابني وما أدراك، النجاح لا يمكن إحالته لأرقام، نقول إن 2 زائد 2 تساوي 4، فإذا قلت مثلاً إن صوت فريد يساوي 8 بينما صوت أم كلثوم 10 فهذا يعني نظرياً أنها ستنجح أكثر بصوت كوكب الشرق، وأضاف في الحقيقة أن هناك شيئاً أبعد من الحساب العددي، إنها تلك الكيمياء الكامنة في موسيقى فريد التي تفاعلت مع صوته، ولهذا لا أعتقد لو غنتها أم كلثوم كانت ستحقق رواجاً أفضل.
ولو أعدنا النظر في كثير من الأعمال الفنية سنكتشف أن جمالها يكمن في التفاعل بين العناصر مجتمعة، وليس في ضخامتها كأرقام، كما أن هناك أيضاً الحضور والقدرة على الجذب، وهو ما لا يمكن قياسه رقمياً.
هل تتذكرون بطل كمال الأجسام العالمي السابق الشحات مبروك؟ كان الكل يتسابق في التسعينات، من أجل الحصول على موافقته لبطولة الأفلام، وكان يحقق أرقاماً ضخمة في شباك التذاكر، إلا أنه مع الزمن لم يعد في مقدمة «الكادر»، وصار يقبل مساحات هامشية مثل دوره الأخير في فيلم «الكنز»، لم تتراجع قواه الجسدية رغم تقدمه في العمر، الذي تراجع هو قدرته على تحقيق الإيرادات، العضلات النافرة التي كان يتميز بها نجمنا العالمي لم تعد كافية، بينما محمد رمضان بعضلات أقل قوة هو حالياً نجم الشباك.
في عالم الغناء كانت القوة متجسدة في صوت أسبق زمنياً من أم كلثوم وهي «سلطانة الطرب» منيرة المهدية، ومع بزوغ عصر الإذاعة انحازت الأجهزة الصوتية أكثر للقدرة وليس القوة، وهنا انتصرت أم كلثوم وباتت منيرة فقط صوتاً يشار إليه في المراجع الموسيقية. لو عقدت مقارنة مثلاً بين كل من عبد الحليم حافظ وشقيقه الذي كان يكبره بعشر سنوات إسماعيل شبانة، سينحاز المتخصصون أكثر لصوت شبانة القوي والمكتمل في إمكانياته، وهذا هو رأي موسيقار كبير بحجم رياض السنباطي، بينما الجماهير تميل إلى صوت عبد الحليم بما يحمله من قوة أقل وقدرة أكثر.
حكى لي الفنان حسن يوسف أنه عندما التقى في مطلع الستينات مع عمر الشريف في فيلم «في بيتنا رجل» سأله عمر عن شهادته فقال له خريج معهد مسرح قسم تمثيل، فداعبه قائلاً ما هو أجرك؟ أجابه ألف، فقال له عمر أنا من غير ما أدرس تمثيل آخذ ألفين.
قال لي حسن كنت أقف في الاستوديو مبهوراً بقدرة عمر على الأداء، سهل وبسيط وممتع، ولم يعتمد أبداً على القوة، وأضاف ضاحكاً طبعاً الألفا جنيه كان عمر يضع أمامها على الأقل ثلاثة أصفار في الأفلام العالمية التي لعب بطولتها!