مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أعجوبة زمانه بالتهتك

عثر الرحالة السويسري بوركهارت على تسع أو عشر كراسات لرجل مصري يقال له: شرف الدين بن أسد، ونشرها عام 1830 تحت عنوان «الأمثال العربية».
وفي الواقع، يبدو أن شرف الدين قد ولد نحو 670 ومات 738 هجرية لأنه شهد الزلزال العظيم الذي ضرب الإسكندرية وهدم منارتها، وذلك عام 702 هجرياً، وبعدها شاع المثل القائل: «وقعت منارة الإسكندرية، قال الله يسلمنا من غبارها».
وجاءت ترجمة هذا الرجل في كتاب «فوات الوفيات».
ووصف بأنه شيخ ماجن متهتك ظريف خليع، يصحب الكتاب ويعاشر الندماء، فهو إذن من أدباء التحامق والفكاهة والمجون، وهو الذي قال عن نفسه: لو وقعت من السماء صفعة ما سقطت إلاّ على قفاي، ولو أنني تاجرت بالأكفان لما مات أحد.
وفي كتاب الأمثال التي أوردها بوركهارت عن ابن أسد هناك 999 مثلاً، أغلبها موغل بفحشه، ومن أبسطها أنه قال عن الشخص الذي يلجأ إلى كل الطرق للحصول على المنفعة: «لو أن رزقه في ذنب كلب أكله»، وعن الشخص كثير الكلام: «لو سكت فمه تكلم قفاه».
ورغم فكاهته كان حزيناً، وهو القائل: «لولا الدموع لاحترقت الضلوع»، ومع ذلك كان يكره المرجفين، فالواحد منهم «لا يقرأ إلاّ آية العذاب وكتاب الصواعق»، وهو يقصد كتاب «الصواعق» لابن حجر.
وكان الرجل فقيراً ومعسراً، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أنه عاصر المجاعات الرهيبة التي مرت على مصر، كما عاصر غزوات التتار أعوام 678، و686، و689هـ، ومع ذلك فقد اتصل بالعلماء والكبار، ونال جوائزهم، وقد سجل له صلاح الصفدي، وكان من كبار المؤرخين، أنه قابله عدة مرات بالقاهرة، وجالسه على الخليج بشق الثعبان 728هـ. وهو القائل: «يا مشغول بهم الناس همك لمين خليته»، أو «يشتهي الحرب ويخاف من اللقا»، أو «صايعة مستورة، ولا حرة مبهرجة»، وبعد أن لاحظ كثرة الطلاق في مجتمعه، وتفشت ظاهرة «المحلل»، حيث يلجأ المطلق الذي يريد أن يسترجع زوجته إلى أن يستأجر أحد المشردين القذرين بمبلغ تافه لقاء ليلة واحدة مع زوجته، أطلق عليه اسم «التيس المستعار»، وقال متهكماً على المتسول الذي يقلد الكبار: «خاوي البطن ويمضغ لبان»، لأن كبار القوم يمضغون اللبان لتلطيف التنفس أو لتسهيل الهضم.
وسخط على الحكام المماليك بسبب جبروتهم وظلمهم، وقال عن الواحد منهم: «يبني قصراً، ويهدم مصراً».
رحم الله ابن أسد، لقد كان أعجوبة زمانه بالتهتك - وهو مثلي الأعلى.