مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ما قدر على الحمار حط حرّته بالبردعة

كنت أتناقش مع أحد الصحافيين ووجدته متذمراً رغم حبه لمهنته، فسألته متعجباً عن سبب ذلك، فتنهد قائلاً: صحيح أن الذي يده في النار ليس مثل الذي يده في الماء، ولو أنك عملت يوماً صحافياً مراسلاً أو محرراً وذقت الأمرّين لعرفت السبب، وأردف قائلاً: ولكن يا بختك تكتبلك كم مقال في الأسبوع في مكتبك المكيف، وتبعث بها عبر «إيميلك» وأنت ولا على بالك، «تسمع ميوزك»، ثم تذهب لتنام في العسل.
لم أرد الدخول معه في مشكلة؛ لهذا هدأت عليه، وقلت له: أرجوك «فضفض لي»...
أجابني قائلاً: بالأمس كتبت خبراً عن حادث معين، وما أن اطلع عليه رئيس التحرير حتى أزاحه جانباً، قائلاً لي: اختصر «يا بقم»، لا أريد أكثر من عشرين كلمة فقط، فكتبت التالي:
زلت امرأة على قشرة موز مرمية على رصيف في شارع «الستين»، ونقلت إلى مستشفى الجامعة، حيث تبين أن ساقها مكسورة. وجاء الرد الأول على الفور من مستورد للموز، جاء فيها: إننا نحتج بشدة على تشويه سمعة بضاعتنا، فقد نشرت صحيفتكم 14 تعليقاً سلبياً حول البلدان المنتجة للموز في الأشهر الأخيرة.
وطرق مدير مستشفى الجامعة باب رئيس التحرير مغضباً وهو يحتج بأن كلمة «نقلت» قد تعني نقل الكائنات البشرية كأنها بضائع للشحن.
وفي اليوم التالي تلقى رئيس التحرير ثلاثة ردود فقط؛ الأول: رسالة استياء من جمعية حقوق المرأة، وفيها احتجاج صارخ على العبارة التمييزية «سقطت امرأة»؛ مما أثار حفيظة سيدات الجمعية؛ لأن فيها لمزاً إلى «النساء الساقطات» مما يبرهن النية على تلطيخ صورة المرأة في هذا العالم الذي يسوده الرجال، وهددت الرسالة بمقاضاة الصحيفة ومقاطعتها، وبإجراءات أخرى.
والثاني: اتصل مسؤول في مديرية الهندسة المدنية وأعلم الصحيفة أن سقوط المرأة لا يمكن أن يعزى إلى رصيف المشاة، وأضاف أن لجنة الأرصفة على وشك الانتهاء من وضع تقريرها بعد سنوات من العمل، فهلا تفضلت الصحيفة بعدم ذكر الأرصفة مطلقاً خلال الأشهر المقبلة لئلا تنتج من ذلك ذيول سياسية.
أما الرد الثالث: فجاء من قارئ ألغى اشتراكه في الصحيفة شاكياً من «التفاهات المتزايدة»، والأخبار التي لا معنى منها.
واضطررت إلى أن أختصر أكثر، قائلاً: سقطت امرأة في الشارع وكسرت ساقها.
وفوجئت برئيس التحرير يصب جام غضبه عليّ، معتبراً إياي مصدر التفاهات المتزايدة، والأخبار التي لا معنى لها، وخصم من مكافأتي الشهرية التي أتلقاها من الصحيفة 20 في المائة.
ولكي أواسيه وأعزّيه قلت له: إن رئيسك ما قدر على الحمار حط حرّته بالبردعة.
فهزّ رأسه علامة أنه موافق على تشبيهي له «بالبردعة».