إيلي ليك
TT

مع احتجاز إيران الرهائن تتناسى بريطانيا مع مَن تتعامل

من القواعد الجيدة والمجربة في التعامل مع إيران هي أن نتذكر على الدوام أن الجمهورية الإسلامية ليست دولة طبيعية، تسترشد بسيادة القانون. عندما تحتجز إيران الرعايا الأجانب، فهي لا تعتبرهم سجناء في انتظار الإجراءات القانونية الواجبة، بل إنهم رهائن يجري التفاوض بشأن مبادلاتهم بغية الحصول على امتيازات أو تنازلات من قبل النظام الذي تأسس على أيدي حفنة من محتجزي الرهائن أول الأمر.
وينبغي لحقيقة مثل هذه أن تكون غنية عن البيان ولا ضرورة لذكرها. بيد أنه من الواضح أن بريطانيا في حاجة إلى التذكير. وهناك مثال بالفضيحة الأخيرة التي تتعلق بأحد الوزراء في حكومة تيريزا ماي، ألا وهو وزير الخارجية بوريس جونسون. ولقد عاب النقاد على السيد جونسون بسبب الاتهامات الجديدة التي وجهتها طهران ضد نازانين زغاري راتكليف، المواطنة التي تحمل الجنسيتين البريطانية والإيرانية، والتي ألقي القبض عليها العام الماضي بشأن اتهامات مختلقة تتعلق بالأمن القومي الإيراني.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وفي شهادته أمام البرلمان، قال السيد جونسون بشكل غير صحيح إن السيدة زغاري راتكليف كانت مشاركة في تعليم مهنة الصحافة للناس. ولقد رفض أحد القضاة الإيرانيين هذا الكلام تماماً. وزعم أن شهادة السيد جونسون البرلمانية أثبتت أن السيدة زغاري راتكليف مذنبة أيضاً بتهمة نشر الدعاية السلبية ضد النظام الحاكم في إيران، مما يؤدي إلى مضاعفة الحكم الصادر ضدها.
ويُلقي خصوم السيد جونسون في حزب العمال حالياً باللائمة عليه لتعريض السيدة زغاري راتكليف لمزيد من الأخطار. وهم ليسوا بمفردهم في ذلك؛ إذ صرح ريتشارد راتكليف، زوج السيدة المذكورة، لصحيفة «تايمز أوف لندن» قائلاً: «هناك صلة مباشرة بين تصريحات السيد بوريس جونسون يوم الأربعاء والقاضي الإيراني سالافاتي، وهو من أقسى القضاة الذي سوف يستمع إلى قضية زوجتي يوم السبت، حيث باتت تواجه الآن مضاعفة الحكم الصادر بشأنها».
وغرد السير بول جينكينز، الرئيس الأسبق للإدارة القانونية في الحكومة البريطانية، قائلاً إن هذه السذاجة من جانب الوزير كانت «استثنائية وفق أبشع المعايير» للسيد جونسون. وأضاف يقول: «إن أمتنا تعاني، ويعاني شعبها بسبب تسرعه وقلة كفاءته».
ومن غير المهم أن يعمد السيد جونسون إلى توضيح تصريحاته السابقة داخل البرلمان وإلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بأنه لم يكن يؤكد أن السيدة زغاري راتكليف كانت في إيران لتدريس مهنة الصحافة (المحظورة حظراً تاماً)، بل كان يعبر عن النسخة الأكثر تطرفاً من الاتهامات الموجهة إليها.
وتكمن المشكلة في إلقاء اللوم على السيد جونسون في القسوة البالغة المعروفة عن القضاة الإيرانيين بأنها تمنح الشرعية المطلقة للمحاكم غير الرسمية. والقاضي المكلف بمتابعة قضية السيدة زغاري راتكليف، أبو القاسم سالافاتي، كان قد أصدر أحكاماً بالسجن على مواطنين إيرانيين لمجرد أنهم كانوا يعملون في برنامج الوقاية من مرض الإيدز الذي تدعمه الولايات المتحدة. وهو القاضي المكلف أيضاً إصدار الأحكام ضد الإصلاحيين السياسيين في بلاده. وهو من أشد المعارضين للصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والطلاب. والتظاهر بأنه يهتم بالأدلة والقرائن والإجراءات هو وهم محض. إنه يحمل اسم «القاضي» تماماً كما تحمل إيران اسم «الجمهورية». فضلاً، لا تنخدعوا بالمسميات الرنانة.
ثم هناك تاريخ إيران الحديث والمعاصر من احتجاز ومحاكمة المواطنين الإيرانيين من أصحاب الجنسيات المزدوجة. ويستخدم النظام الإيراني هؤلاء السجناء كصفقات للمساومة. وهذا تماماً ما حدث في قضية جيسون رضائيان، الصحافي لدى «واشنطن بوست» الذي ألقي القبض عليه وسُجن بتهم تتعلق بالتجسس بسبب أنه جازف وتهور وتقدم بطلب الحصول على وظيفة في البيت الأبيض في عهد باراك أوباما.
وفي خاتمة المطاف، سمح النظام الإيراني له بمغادرة البلاد برفقة عدد قليل من الإيرانيين الأميركيين الآخرين، ولكن بعد أن خففت الولايات المتحدة الأحكام الصادرة بشأن المسؤولين الإيرانيين عن انتشار الأسلحة النووية.
ليس من المعقول الاعتقاد بأن تعليقات وزير الخارجية البريطاني من شأنها التأثير على موقف أحد المواطنين المحتجزين في الخارج. إنها رهينة، وليست مدعى عليها بصورة قانونية. وما نحن بصدده هو عملية ابتزاز رخيصة وليست محاكمة قانونية عادلة.
وطالما استفاد الإيرانيون من عمليات احتجاز الرهائن. فلقد بادلوا الموظفين الأميركيين في السفارة الأميركية التي استولوا عليها في عام 1979 مقابل اتفاق الجزائر ووعد بعدم التدخل الأميركي في الشؤون الإيرانية. وبعد مرور سنوات قليلة، تبادل الإيرانيون الرهائن المحتجزين بواسطة «حزب الله» في لبنان مقابل صواريخ إسرائيلية مضادة للدبابات. كما دُفعت الأموال للإيرانيين مقابل الإفراج عن بعض السياح الأميركيين في عام 2011.
وتعتبر السيدة زغاري راتكليف، آخر الرهائن المحتجزين في إيران، ولا تتحمل الحكومة البريطانية أن يحاول السيد نديم زهاوي، عضو البرلمان البريطاني من حزب المحافظين الذي ينتمي إليه السيد جونسون، التعليق على الأمر. ولقد أخبرني في مقابلة شخصية قائلاً: «من الجدير بالذكر أن نعرف من هم الجناة، الحرس الثوري الإيراني والنظام الإيراني. إنهم يحتجزون أماً بريئة لطفل لم يتجاوز الثالثة من عمره وهي مواطنة بريطانية الجنسية، التي ينبغي أن تكون في منزلها مع زوجها المكلوم في إنجلترا الآن». وأضاف أن حزب العمال في حاجة لأن يتوخى الحذر كي لا يُستخدم كأضحوكة من قبل النظام الإيراني الحاكم.
ولقد كان السيد زهاوي كريماً للغاية في تعليقه. أما جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال، كان قد تلقى الأموال ليحل ضيفاً، بالمداخلة الهاتفية، على شبكة دعائية ناطقة بالإنجليزية وموالية لإيران تحمل اسم «برس تي في». ولقد فقدت هذه الشبكة ترخيص البث الخاص بها في المملكة المتحدة في عام 2012 بعد بثها اعترافاً قسرياً من أحد الصحافيين العاملين في مجلة «نيوزويك» الأميركية. ورغم ذلك، ظهر السيد كوربين مرة أخرى على شاشات الشبكة نفسها بعد ستة أسابيع بعد إبطال ترخيص البث تماماً.
ولا يدعونا شيء من ذلك إلى القول بأنه لا ينبغي على المملكة المتحدة التفاوض مع إيران لصالح عودة المواطنين البريطانيين المحتجزين هناك، فهي من الخيارات القاسية من دون إجابات يسيرة. غير أن هذه الصفقة يلزم أن تُبرم بأعين مفتوحة وعقول راجحة. لم يتعمد السيد بوريس جونسون استفزاز سجناء السيدة زغاري راتكليف. والتأكيد على هذه النقطة يدعونا إلى التظاهر بأن محتجزي الرهينة البريطانية في إيران هم رجال دولة جديرون بالاحترام، وأن محاكماتهم المسرحية تتمتع بالنزاهة والإنصاف.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»