سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

حسن نصر الله أضحية النيروز

تسعى إيران لجر المملكة العربية السعودية لحرب ثانية في الشمال عامدة متعمدة، إلى جانب حربها في الجنوب. إيران دفعت البلاء عن نفسها بالتضحية هذه المرة بأداتيها الشمالي والجنوبي، فإيران تعرف هذه المرة أنها ستكون عاجزة تماماً عن مساعدة عميليها في الشمال والجنوب، فيدها ستكون مقيدة، إنما انشغال السعودية بحربهما سيمهلها وقتاً تستعيد به أنفاسها إلى أن تنتهي حقبة ترمب؛ إذ إن العقل يقول: إنه بعلم إيران بالتصعيد الأميركي تجاهها، وبالاستراتيجية الأميركية التي تهدف لمعاقبتها على دعمها للإرهاب، ثم بعلمها أن أوروبا ستدعم أي قرارات ستتخذ للحد من نشاطها غير الشرعي في المنطقة، وكذلك بعلمها بدعم الدول الخليجية لهذه الاستراتيجية وبقوة، هل يعقل أنها لم تحسب حساب ردة فعل الرياض على صاروخ باليستي يطلقه اثنان من خدمها (حسن نصر الله والحوثي) على مطار الرياض؟ أي عاقل سيعرف أن هذا الصاروخ في اللحظة التي انطلق فيها للمطار فإنه أطلق يد الرياض في الرد على الاثنين، وشرع لها كل الإجراءات ضدهما، هذا ما تعرفه طهران جيداً، ومع ذلك أعطت الضوء الأخضر للاثنين، وبعلمها وبإراداتها وبقرارها دفعت بعميليها الاثنين في واجهة المدفع، واكتفت بالزعيق والصراخ والإنكار، وتحميل السعودية تبعات ما سيحدث للاثنين!!
أي مراقب سيتوقع أن تهدد إيران، المملكة العربية السعودية إنْ هي مست أياً من حلفائها، وخصوصاً أن المملكة قد وجهت اتهاماتها المباشرة لحزب الله وإيران معاً، لكن جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني رد على تلك الاتهامات المباشرة في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه الرسمي في موقع «تويتر» يوم الاثنين الماضي بالقول «إن السعودية متورطة في حروب عدوانية و... إقليمية وتصرفات مزعزعة للاستقرار واستفزازات خطيرة، وتتهم إيران بأنها مسؤولة عن تداعياتها». ولو كنت مكان خادم السيد لتحسست لحيتي، ولعرفت أنني الكبش القادم!!
إيران تعلم أنه لا بد للخادم أن يطيع سيده، خصوصاً إن كان يعتبر هذا السيد معصوماً من الخطأ، ويؤمن فعلاً أن خامنئي ظل الله على الأرض، فإن أمَرَ هذا المعصوم الحوثي ونصر الله بالانتحار فسينتحر الاثنان، وهما الآن انتحرا فعلاً، فردة الفعل لن تكون سعودية فقط.
إيران تعلم أن إطلاق الصاروخ على مطار الرياض لم ولن يحقق أي مكسب لها على الأرض، ولم يحقق أي مكسب لا لحزب الله ولا للحوثي، ومع ذلك زودتهما بالصاروخ، وأمرتهما بفعل لن يختلف اثنان في المجتمع الدولي على إدانته، وعلى إجازة رد الفعل تجاهه، وكأنها تقول هاكم سيد الضاحية افعلوا به ما تشاءون، فلم فعلت ذلك؟
منذ انتخاب ترمب والعد التنازلي بدأ لحزب الله والحوثي، ولكل حلفاء إيران، بمن فيهم من يعتبرها شريفة، ولم تنفع كل التحذيرات لردع إيران. إيران حاولت المماطلة لكسب الوقت وكذلك يفعل حلفها، عل وعسى يخلع ترمب، عل وعسى يُحدث الديمقراطيون تغييراً ما أو يعطلون البلدوزر الترمبي، وشيئاً من ذلك لم يحدث ومن علق آماله على ذلك السيناريو بدأ يدرك أن حساباته خاطئة.
أدركت إيران أن الوقت بدأ ينفد منها، ولم يحدث ما ترجوه. أدركت إيران أن توزيع مناطق النفوذ بدأ يأكل من حصتها في الشرق الأوسط، وأن درجة التفاهمات الروسية - الأميركية أكبر مما توقعته، وهي تأتي على حصتها هي وتركيا، وأن الضربة التي تلقتها من غض الطرف الأميركي الروسي المقصود على التحرك الانفصالي الكردي أفزعتها. صحيح أن الاثنتين (أميركا وروسيا) تدركان الانزلاق، إنما كان ذلك تلويحاً لتركيا وإيران بأن الأوراق ما زالت في يد الولايات المتحدة الأميركية، وأن عليها أن ترضى بما قسم لها، وإلا فإنها ستخسر مالها.
سرعة عجلة التسويات الإقليمية في المنطقة لا تسعفها لمزيد من المماطلة، فلا بد أن تخرج بأقل الخسائر، وأن تعمل على التفاوض لكسب مواقع لها على الأرض، لا بد لها من إعادة ترتيب أولوياتها، ولا بد من فعل شيء يحمي نظامها المهدد دولياً بالخنق الاقتصادي والعزل الدولي، ما سيعيدها إلى المربع رقم واحد إلى ما قبل الاتفاق النووي، فإن لم تكن الإجراءات لنقض الاتفاق ممكنة، فالمقاطعة ممكنة بسبب أنشطتها غير الشرعية.
سنرى قريباً التصعيد الخطابي الإيراني سيبلغ أوجه، متحدياً ومزبداً ومرعداً «التكفيريين» وأميركا وحلفاءها وإسرائيل و... و...، خطاباً يقوم به قافلة الخدم التي ستساق إلى حتفها راضية مرضية فداء للإمام، وسيستعين بالخطاب الديني، حيث يقدم زعيم الضاحية أتباعه قرابين على مذبح الإمبراطورية الفارسية، أضحية تصلح لطبق اللحمة بالرز الإيراني «رشته بلو»، فلا بد إذا أن يكون العذر وجيهاً يتناسق مع حجم التضحية.