The Passenger (1975)
لقاء أنطونيوني - نيكولسون
في الصحراء العربية
في عام 1975 وفر لنا المخرج الإيطالي الراحل مايكل أنجلو أنطونيوني فيلم «العابر» الذي حمل أيضاً عنوان «المهنة: صحافي» (Profession: Reporter). هو أحد ثلاثة أفلام حققها أنطونيوني باللغة الإنجليزية (بعد «بلو أب» و«زابرسكي بوينت») وعمله الوحيد مع الممثل المعتزل حالياً جاك نيكولسون.
تسمح كاميرا لوكيانو توفولي في مطلع الفيلم صحراء عربية قبل تقديم بطله. تلك الصحراء بفضائها الشاسع تشابه فضاء صحراوياً في داخل بطله ديفيد (نيكولسون) الذي بعد مغامرة في ذلك العراء لا ينتج عنها شيء يعود إلى الفندق الصغير المرمي في بلدة لا يعرفها أحد. لا زبائن ظاهرين في هذا الفندق سواه، وسوى رجل في قامته وحجمه وبل يشبهه إلى حد كاف اسمه ديفيد روبرتسون (تشارلز ملفيل وهذا بقي فيلمه الوحيد ممثلاً إذ تحوّل بعد ذلك إلى منتج). بعد قليل يدخل ديفيد لوك على ديفيد روبرتسون فيجده ميّتـاً إثر نوبة قلبية داهمته. يقترب منه مسجى على ظهره ويتمعن في وجهه. لقد أدرك الشبه بينهما. تبعاً لذلك الإدراك يقوم بجر الجثّـة إلى غرفته هو وإلباسها ملابسه واستبدال هويّته. الآن الزبون النازل في الغرفة التي كان يحتلها ديفيد لوك هو الذي مات. أما ديفيد روبرتسون الميت فما يزال حيّـاً.
استبدال الهوية هذا ليس سوى بداية مغامرة غير محسوبة، إذ يكتشف لوك أن روبرتسون كان مهرّب سلاح لمنظّـمة ثورية في بلد أفريقي وأن عليه الآن الالتزام بالعملية المقبلة إذا ما أراد البقاء حياً. لكن لوك يدرك أيضاً أنه لا يستطيع الالتزام. وها هو بات مطارداً من قِبل المنظّمة. أيضاً هناك زوجته راتشل (جيني روناكر) التي تصدّق أولاً أن لوك مات، ثم تكتشف أن صاحب الجثّة المعروضة عليها ليس زوجها فتسعى مع البوليس لمعرفة مكانه. إلى ذلك هناك الفتاة الشابة (ماريا شنايدر) المليئة بالأسئلة حوله.
يحتوي الفيلم على فلسفة عميقة بلا ريب، لكن السيناريو (شارك فيه بيتر وولن وميغويل د إيكاري وأنطونيوني ومارك بيبلو عن قصّـة لبيبلو) كان يحتاج بالأحرى لبعض اللُحمـة. شيء من السبب والحدث عوض أن يبقى سرداً للفكرة كما وُلدت مع قليل من مفارقاتها. المعنى هنا، أن الفيلم لا يخلو من فراغ يشابه الفراغ الذي في ذات بطله، لكن بينما الفراغ الذي في ذات بطله مقبول وضروري فإن ذاك الذي في الفيلم ناتج عن غياب ما هو أبعد قليلاً من تلك الأحداث الصغيرة.
اختيار أنطونيوني لنيكولسون في مكانه تماماً. منذ أعمال نيكولسون السابقة مع المخرج بوب رافلسون في أواخر الستينات، عكس الممثل قدرته على التمثيل الدوني لخط التشخيص الدرامي المعتاد. أداء نيكولسون لا ينضح، قصداً، بالتعابير ولا يبني دراما على تشخيصه. وأنطونيوني كان بدأ، من ناحيته باستعارة ممثلين غير إيطاليين لبطولات أفلامه. منح البريطاني ترنس ستامب (كذلك البريطانية فانيسا ردغراف بطولة «تكبير» (1966) ولجأ إلى الأميركي رود تايلور (وآخرين) في «زابرسكي بوينت» (1970) واختار نيكولسون لهذا الفيلم.
ما هو لافت وقابل للجدل والنقاش أيضاً هو أن الفيلم لم يصل إلى بلورة عمق للموضوع على نحو مماثل للبلورة الرائعة في تشكيل الفيلم كلغة عمل وتصوير ومونتاج. اختيار المخرج لأماكن التصوير هو إنجاز آخر في هذا الشأن. الفراغ الكبير في الصحراء. العالم البعيد. حيث أي شيء يستطيع أن يحدث من دون أن يُـسجّـل حدوثه. هذا ما توخّـاه ديفيد لوك حين قرر في ومضة عين أن يتقمّـص شخصية الرجل الآخر، ليجد أنه استطاع أن يرتدي الثياب ويحمل الهوية لكنه لم يستطع خداع أحد… ولا حتى نفسه.
ثم هناك ذلك المشهد النهائي الذي نجد فيه ديفيد لوك في غرفة أرضية في فندق صغير في بلدة تكاد تكون أصغر. تتجه الكاميرا بعيداً عن لوك المستلقي على السرير وتخرج من النافذة وتمضي ببطء مقصود وجميل. هي مثل روح بطلها وقد غادرت جسده.
7:57 دقيقة
سنوات السينما
https://aawsat.com/home/article/1086346/%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7
سنوات السينما
سنوات السينما
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة