مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

دموعي عصيّة ورزيلة

حيث إنني أمر في هذه الأيام بضائقة نفسية تدعو للبكاء حقاً، غير أن مشكلتي هي أن دموعي عصيّة ورزيلة، وشرحت همي هذا لأقرب أصدقائي فقال لي: إذا لم تستطع أن تبكي تباكى يا أخي بصوت مرتفع ولا تخجل من ذلك حتى لو سمعك الآخرون.
وبحكم أنني إمّعة وسريع الاقتناع بالنصائح، فلم أكذب خبراً، وفعلاً فتحت (جاعورتي) في الليلة البارحة بعد أن أغلقت غرفتي بالمفتاح على نفسي وبدأت بالمواويل، ويبدو أن صوتي المرتفع أخذ يتردد صداه في أرجاء المنزل، فاعتقد الجميع أن مصيبة قد حلت بي، وأخذوا يتصلون بي على التليفون الثابت دون أن أرد عليهم، ثم تطور الحال إلى التخبيط على الباب، فوضعت في أذني اليمنى طيناً وفي اليسرى عجيناً، واستمررت بالنشيج والتباكي، عندها تيقنوا أن حالتي لا يمكن السكوت عليها، وسمعتهم وهم يعقدون العزم على كسر الباب، ولما وصلت الحكاية إلى هذا الحد توقفت عن التباكي طالباً منهم الانصراف وتركي لحالي، والحمد لله أنهم سمعوا كلامي وأعطوني عرض أكتافهم. والغريب أنه رغم هذا الجعير من قبلي لم تسقط من عيني ولا حتى دمعة واحدة.
ومن الصدف أنني قرأت اليوم عن مقهى للبكاء في الصين، عندها تذكرت الحديث القائل: اطلبوا العلم حتى ولو في الصين، وبالنسبة لي أريد أن أطلب راحة البال وإزالة الأحزان التي تراكمت على صدري من دون سابق إنذار، حتى ولو في الصين. لهذا نذرت لو أن الظروف ساعدتني لن يردني غير الصين، وجاء في الخبر الذي قرأته:
إنه في سابقه تعد الأولى من نوعها، افتتح في شرق الصين مقهى جديد يتيح لرواده التعبير عن حزنهم بالبكاء، مع تقديم أفضل المشروبات.
ويوفر المقهى للزبائن المناديل وزيت النعناع لتخفيف آلامهم، كما يقدم البصل والفلفل الأحمر لمساعدة الذين يرغبون في ذرف الدموع.
وتعزف في المقهى الموسيقى الحزينة تجاوباً مع مشاعر الرواد – انتهى.
أكتب لكم هذه الكلمات متذكراً أغنية منقرضة لمطربة منقرضة، وكيف أن مناديلها تشكو لها من كثرة هطول دموعها، وحسدتها على تلك الدموع، وتمنيت لو أنها سلفتني منها ولو ثلاث دمعات فقط لا غير، لعلّها تطفئ ولو قليلاً من أحزاني المضحكة هذه.
كم أنا خجلان عندما أبدو أمامكم بهذه الحالة الضعيفة المزرية، ولكن ما باليد حيلة.
ورغم أنني أنشد الفرح والبهجة، وأبحث عنها حتى تحت حجارة الأرض، ولكن تجري الرياح أحياناً بما لا يشتهيه مشعل.
فادعوا لي أن يجبر الله مصابي، ويعيدني كما كنت أقفز مع كل نقرة طبل.
وسوف أحاول أن أضحك للدنيا، لعلّها تبادلني الضحكات بشكل صاخب.