إميل أمين
كاتب مصري
TT

نعم... متحالفون ضد الإرهاب

وقت كتابة هذه السطور، كانت أعمال الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، قد انطلقت في الرياض، في محاولة محمودة هي الأولى من نوعها، لخلق حلف إنساني في مواجهة الجماعات الظلامية التي طغت وبغت حول العالم في العقود الثلاثة الأخيرة.
يمكن القطع بأن إرادة قيام هذا التجمع في حد ذاتها دليل على أن الأمة قد بدأت تصحو في مواجهة الخطر الداهم الذي يهددها في صحوها ومنامها، وفي حلها وترحالها، وأن العالم العربي لم يعد مستسلماً لغرقه في بئر تاريخية من غير العثور على طريق للخروج منها.
رمزية هذا الاجتماع مهمة للغاية دون تهويل أو مغالاة، ذلك أنه إن كانت حركات التطرف هي وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي أمام العدو الخارجي، كنوع من أنواع التشنج الطبيعي بسبب عجز الجسم عن المقاومة، كما قال علامة الجغرافيا جمال حمدان، فإن التنبه لها وإرادة التصدي لها وتحديها يعنيان أن الجسمين العربي والإسلامي معاً باتت لديهما المقاومة الكافية للتصدي والتحدي، وأن ما نشاهده من أعمال إرهاب من حولنا حتى الساعة، ليس أكثر من «رقصة الطائر الذبيح» الذي يدرك أن أجله قد حان.
لم تعد نجاحات مواجهة الإرهاب بشكل منفرد كافية لملاقاة طاعون القرن، لذا يعول كثيرون على هذا الاجتماع لوضع استراتيجية دولية متعددة الأبعاد والمجالات، لمحاربة الإرهاب تحت مظلة التحالف الإسلامي العسكري، استراتيجية تمثل بوضوح وشفافية منظومة دولية متكاملة، تعمل كمنصة لطرح وتقييم وتنفيذ مبادرات مستدامة.
يأتي المؤتمر في وقت قيم وحساس، فالعالم برمته يعاني من الآثار القاتلة لتفشي تلك الظاهرة التي جعلت من نهاره قلقاً ومن ليله أرقاً، سيما بعد أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة على واحدة من أسوأ مذابح الإرهاب حول العالم، التي جرت بها الأيادي الشريرة داخل بيت من بيوت الله، في قرية الروضة بالقرب من مدينة العريش المصرية، على أرض سيناء الطاهرة، أرض الفيروز، أرض البطولات.
وصل الإرهاب الأعمى إلى مرحلة غير مسبوقة من الغي السادر تجاه الجميع شرقاً وغرباً، عرباً وعجماً، ولم يعد يوفر المساجد ولا الكنائس، وقد فعلها في مصر المحروسة، فبعد أن حاول أن يشق الصف الوطني، ويفكك النسيج الاجتماعي بين الأقباط والمسلمين، نراه اليوم يكرر خطيئته المميتة، لا العرضية، مرة جديدة مع المساجد، بذريعة أو أخرى، ومن قبل حاولت الأيادي الآثمة عينها الوصول إلى المسجد النبوي، ولم تعد هناك حرمة ما لبيوت الله في دين «القاعدة» أو «داعش»، ومن لفّ لفهم.
أكثر ما يستلفت النظر في الاجتماع الأول المنعقد بالرياض، هو نظرته الشمولية لمحاربة الإرهاب والتطرف، ذلك أن فكرة المقاومة عسكرياً وأمنياً، رغم أهميتها كنقطة مركزية في مواجهة كل من يرفعون السلاح في وجه الآمنين، فإنها في حقيقة الحال ليست كافية، ففي زمن العولمة والسماوات المفتوحة تبقى المواجهة بالكلمة والصورة ضرورات حتمية.
تركز الاستراتيجية التي يسعى إليها اجتماع الرياض على المجال الفكري في مواجهة الإرهاب، فعلى قياس القول بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، يمكن التأكيد على أن من استلبت عقولهم بالأفكار التي مضت بهم في دروب المهالك، لا يمكن أن يعودوا إلا عن طريق المناصحات الفكرية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والمحرفة بادئ ذي بدء.
الركيزة الثانية في الاستراتيجية التي نحن بصددها تتصل بالمجال الإعلامي، وهي قضية قائمة بذاتها؛ ذلك أنه، ومن أسف شديد، باتت الصورة الإعلامية تتحكم في الجماهير الغفيرة، وهناك ما هو أشد هولاً وأكثر ضرراً، أي ما يتعلق بعالم التواصل الاجتماعي ووسائطه ودروبه الخفية، عطفاً على كواليسه الخلفية التي يبرع فيها اليوم إرهابيو القرن الحادي والعشرين، ما يجعل حتمية تفعيل مساقات «لعبة الشيطان» في التعاطي معهم وبنفس الميكانيزمات والصور والأبعاد والمعايير، أمراً واجب الوجود.
وتبقى هناك الركيزة الرابعة المتمثلة في تفعيل الجهود الدولية الرامية إلى قطع سبل الإمداد المالي عن تلك الجماعات. وهي مسألة يحسبها المرء شديدة الوصل مع عالم الأفكار، فكثيرون من الذين قدموا تمويلاً لجماعات بعينها في بداية الأمر، إنما فعلوا بحسن نية، والآن بات عليهم أن ينظروا إلى المحصلة النهائية لمردود تبرعاتهم.
مسألة التمويل لا تتوقف – ولا شك - عند حدود الأفراد؛ بل تمتد إلى عالم الكيانات الدولية، الأمر الذي يستلزم إرادة دولية حقيقية لمواجهة الإرهاب المعولم، عبر قرارات أممية حاسمة وحازمة، ودون ازدواجية أخلاقية، حكماً سوف تحدث أكبر الخسائر الأدبية والمادية بالمتلاعبين. ماذا نعني بهذا الكلام؟
بصراحة مطلقة نقول: لقد سئمنا التلاعب على الكلمات، وعبر البيانات والتصريحات التي تشجب وتدين دون تحرك حقيقي فاعل على الأرض، الأمر الذي يعني مؤامرة ولو بطريق غير مباشرة تجاه إقليم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
ليس سراً القول إن حكومات غربية كثيرة، منذ زمن النازية، مروراً ببريطانيا العظمى، وصولاً إلى الولايات المتحدة، جميعها عزفت أنغاماً شاذة على أوتار جماعات الإسلام السياسي، وجميعها تحالفت معها حين اقتضت مصالحها.
نعم متحالفون ضد الإرهاب.