طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مهرجان دمشق وشرائح الفنانين

من المنتظر أن يعود مهرجان دمشق السينمائي الدولي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعد توقف دام سبعة أعوام، وذلك في أعقاب الثورة السورية. بالتأكيد نرحب ونعضد كل الأنشطة الثقافية والفنية، في ربوع الوطن العربي، وعندما تأتي الإطلالة من سوريا الحبيبة على قلوبنا، تصبح الفرحة مضاعفة، لأن هذا يعني أن الوطن يقاوم بالشريط السينمائي كل عوامل الفناء.
أنا واحد من النقاد العرب الذين يتابعون مهرجان دمشق بانتظام منذ عام 1991، حيث كان وقتها يقام مرة كل عامين بالتبادل مع (قرطاج)، إلا أنه يعود هذه المرة ليعقد سنوياً، واستطاع المهرجان الذي انطلقت أولى دوراته في نهاية السبعينات، أن يجد لنفسه مكاناً ومكانة على الساحة العربية، بما كان يتمتع به من اختيارات، ومطبوعات سينمائية جيدة تشمل سينما العالم كله.
لاحظت أن البيانات التي تصدر عن الدورة المقبلة للمهرجان من خلال منظميه، وهي مؤسسة السينما التابعة لوزارة الثقافة، تضع تصنيفات ثلاثة للفنانين السوريين، وأظنها من الممكن أن تجد لها ظلاً أيضاً للفنانين والمثقفين العرب.
ثلاث شرائح يتم الحديث عنها، فنان سوري ظل في دمشق أثناء الحرب، وهو في الأغلب مؤيد لبشار الأسد، بحكم أن بقاءه في سوريا يعني استمرار عمله في الإذاعة والتلفزيون ومؤسسة السينما، وبالطبع حتى يعمل يجب أن يعلن في الوقت نفسه أنه شاجب للثورة ومؤيد لبشار.
هناك الشريحة الثانية، فنان سافر خارج حدود سوريا، لكنه لم يهاجم النظام السوري، كما أنه لم يعلن تأييده للمعارضة، وهذا أيضاً طبقاً لما صرحت به إدارة مهرجان دمشق مرحب به، ويبقى النوع أو الشريحة الثالثة، فنان غادر سوريا وكانت له انتقادات للنظام، أو أنه انضم مباشرة للمعارضة، وهذا طبعاً وطبقاً للعرف السوري، لا يعد معارضاً، هم ينزعون عنه أساساً صفة الوطنية، وكأن فقط من يؤيد بشار هو الوطني.
الأمر لا يمكن أن يستقيم قطعاً على هذا النحو، إذا أرادت سوريا معاودة النشاط الفني والثقافي عليها أن تفتح الباب للجميع. دائماً الخطاب السوري الرسمي، يؤكد أنه لا يوجد موقف معادٍ، لمن يعارض الرئيس، ولكنهم ينعتون المعارض للرئيس باتهام أكبر وهو المعادي للشعب، وعلى هذا لا يجوز له أن يمارس نشاطه في سوريا، حتى يرضى عنه النظام، الذي اعتبر نفسه متحدثاً رسمياً باسم الشعب.
لقد سبق مثلاً لنقابة الفنانين في سوريا، أن تعنتت مع عدد منهم، وأسقطت عضويتهم بحجج كثيرة، منها أنهم لم يسددوا الاشتراكات، ولكن لا أحد يقول إنهم يعاقبون لأنهم ضد بقاء بشار الأسد على رأس النظام.
تابعنا طبعاً المواقف على تباينها، هناك من يؤيد بقوة بشار مثل سولاف فواخرجي، وسوزان نجم الدين، ودريد لحام، ورغدة، وميادة الحناوي، وغيرهم. وهناك من يعارض بقوة مثل جمال سليمان، أو أصالة، التي قررت في آخر عامين أن تتوقف عن الجهر بصوتها المعارض، بعد أن تم تأويل كثير من تصريحاتها، ولكني أرى أنها طبقاً لتركيبة النظام السوري محسوبة على المعارضة غير المرحب بها، ولهذا فإنها منذ ثورة سوريا وإقامتها صارت تنحصر فقط بين القاهرة ودبي، كما أن هناك من يقف في المرحلة المتوسطة، مثل تيم حسن، وكنده علوش، وغسان مسعود، وغيرهم، وهؤلاء لن يمنعوا من المشاركة.
من الواضح أن الأجهزة في سوريا سوف تراجع كل الملفات لتحدد من تتم دعوته للمهرجان، قد تجد تصريحاً أو كلمة، تصبح مفتاحاً لمعرفة موقفه. مرحباً بعودة مهرجان (دمشق السينمائي الدولي) على شرط أن يفتح أبوابه للجميع.