طه عبد الواحد
TT

هل ينتهي نظام الأسد قريبا بموافقة ودفع من روسيا؟

مجددا يتسابق المحللون والسياسيون في عرض توقعاتهم حول مصير رأس النظام السوري بشار الأسد، واحتمال خروجه، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرحلة جديدة في الأزمة السورية، انتهت فيها العمليات ضد "داعش"، و"أصبحت الظروف مهيئة للعملية السياسية". ويبني غالبية الخبراء والمحللون استنتاجاتهم بأن "الأسد سيرحل قريبا على يد الروس" على مستجدات جرت مؤخرا ويمكن القول إنها جاءت "خاطفة" وسريعة للغاية. وتلك الأحداث حسب الترتيب الزمني هي: اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد مؤتمر الشعوب السوري، خلال مشاركته في منتدى فالداي الحواري يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول). ثانياً: إيفاد المبعوث الرئاسي الخاص ألكسندر لافرينتيف إلى دمشق يوم 26 أكتوبر، ليتأكد من التزام النظام بالعملية السياسية وفق التفاهمات الدولية. ثالثا: إصدار بيان رئاسي مشترك عن الرئيسين بوتين ودونالد ترمب يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) على هامش مشاركتهما في قمة آسيا المحيط الهادئ في فيتنام، وأكدا أن لا حلا عسكريا للأزمة السورية وتمسكهما بالحل السياسي على أساس 2254. رابعاً: محادثات مع الأسد خلال زيارة غير معلنة إلى سوتشي يوم 20 أكتوبر. خامساً: قمة ثلاثية روسية-تركية-إيرانية في سوتشي اتفق خلالها قادة الدول على الحل السياسي، وأعلنت إيران فيها لأول مرة وبصراحة عن قبولها "دستور جديد وانتخابات برعاية دولية في سوريا".
ومع عدم التقليل من أهمية كل من الأحداث المذكورة ودورها في تنشيط العملية السياسية السورية وفق القرار الدولي 2254، إلا أن الحدثين الأكثر أهمية في ما يخص مصير الأسد، هما زيارة لافرينتيف إلى دمشق، ومحادثات الأسد مع بوتين في سوتشي. إذ جاءت زيارة لافرينتيف إلى دمشق في مهمة غاية في الأهمية "لمعرفة ما إذا كانت الحكومة السورية لا تزال ملتزمة بالانتقال إلى التسوية السياسية بعد انتهاء المرحلة الأساسية من الحرب على الأرهاب"، وفق ما أكد لافرينتيف نفسه. وكشف تضارب التصريحات عن فشل تلك الزيارة، إذ أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا حول محادثات لافرينتيف –الأسد، قالت فيه إن الرئيس السوري مستعد لتعديلات على الدستور وانتخابات برلمانية. أما لافرينتيف فقد فسر ما جاء في البيان على أنه "تعهد من دمشق بإطلاق الإصلاح السياسي، وبالتالي إعداد مشروع دستور جديد والبدء بالتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية، وفقا لما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".
ويبدو أن إصرار النظام على تجاهل الدستور الجديد وانتخابات عامة بموجب القرار 2254 دفع الكرملين لاستدعاء الأسد ووضع النقاط معه على الحروف. وفي لقاء سوتشي أبلغ بوتين الأسد بصريح العبارة أن الحرب على الإرهاب تقترب من نهايتها، وعليك الانخراط بعملية سياسية حقيقية وقال إن "المسألة الأكثر أهمية هي بالطبع التسوية السلمية السياسية ". وحدد له إطار العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، ومشاركتها خلال سير العملية وفي مرحلتها النهائية. ومن ثم نظم بوتين لقاء للأسد مع القادة العسكريين الروس ليقول له بصريح العبارة أمامهم: "أريد أن أقدم لكم الأشخاص الذين لعبوا دورا حاسما في إنقاذ سوريا"، وأضاف مخاطبا الضباط: "ربما يعرف (الأسد) بعضكم شخصيا، ولا يعرف البعض الآخر لكنه يعرف، وقال لي هذا خلال محادثاتنا اليوم، إنه بفضل جهود القوات الروسية تم إنقاذ سوريا كدولة وانجاز الكثير لاستقرار الوضع في البلاد". فما كان من الأسد إلا أن أكد "سنطوي صفحة الماضي ومستعدون للحوار مع كل من يؤمن بالتسوية السياسية للأزمة السورية". وبهذه العبارات "بصم الأسد بالعشرة" على ما يريده بوتين: عملية سياسية برعاية دولية وبمشاركة جميع الِأطراف السورية والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة. وغابت عن تصريحات الأسد هذه المرة عبارات معهودة مثل "سنواصل القتال حتى القضاء على جميع الإرهابيين (ويعتبر المعارضة إرهابيين)"، أو "سنواصل القتال حتى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية"، وما شابهها.
وتدفع مجموعة الأحداث الأخيرة، آنفة الذكر، موضوع مصير الأسد إلى الواجهة مجدداً، لأن تلك المستجدات تعني باختصار التوصل إلى توافق مبدئي بين اللاعبين المؤثرين في الملف السوري، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، على إطلاق عملية التسوية السياسية للأزمة السورية بموجب القرار 2254، الأمر الذي تبلور في بيان ثلاثي سوتشي، والاتصالات التي أجراها بوتين عقب القمة. ويتفق الجزء الأكبر من المحللين على أن إطلاق العملية السياسية الحقيقية يعني فعليا إعلان نهاية النظام السوري، لأن الحل ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية، أي بما في ذلك صلاحيات الرئاسة. ولأن بوتين استدعى الأسد إلى سوتشي ليقول له "الأولوية للتسوية السياسية" وأود سماع رأيك، ولأن الأسد أعلن "الولاء والطاعة" واستعداده للتفاوض مع كل من يؤيد الحل السياسي، دون أن يضع شروطا وعراقيل ومبررات لرفض التفاوض مع هذا الطرف أو ذاك، فقد برزت "ملامح أمل" بتسوية تلبي تطلعات السوريين وتنهي عهد نظام الأسد.
لكن متى سينتهي حكم الأسد وما هو موقف موسكو؟
قد يحاول الروس فرض مشاركة الأسد في الانتخابات الرئاسية، وهذا أمر غير مستبعد باعتبار الخطوة جزءا من الثمن الروسي مقابل منح الأسد للروس قواعد في طرطوس واللاذقية لنصف قرن قابلة للتمديد وبصلاحيات وحقوق تتجاوز كل معاني السيادة السورية. إلا أنه وبعد دعمهم الواسع له عسكريا طيلة عامين، وإنقاذ نظامه فعلياً، وبعد أن لعبوا دور محامي الدفاع الشرس عن نظام الأسد في الأمم المتحدة واستخدامهم الفيتو 12 مرة "من أجل عيون الأسد" فإن إصرار الروس على مشاركة الأسد في الانتخابات الرئاسية قد ينتهي بعبارة "نرجو المعذرة توافق السوريون في المفاوضات على عدم مشاركتك، ونحن كنا نقول دوماً السوريون يحددون مصير دولتهم وقياداتهم". وهذه العبارة الأخيرة ستصبح عبارة سحرية قد يستخدمها الروس ليعلنوا عن انتهاء "سداد الديون للأسد عن القاعدتين".
ولعل قراءة في أسباب التدخل الروسي في الأزمة السورية لصالح النظام، قد تساعد على فهم موقف الكرملين الحقيقي من الأسد. ومن جملة أسباب كثيرة يدرجها خبراء ومحللون على قائمة "أسباب دعم موسكو للنظام السوري"، كثيرا ما سقط الدافع الرئيسي للموقف الروسي. إذ تحركت موسكو وأعلنت مبكراً رفضها لثورة الشعب السوري وعملت على تسويقها باعتبارها جزءا من مؤامرة خارجية لإسقاط النظام واستبداله بآخر "مطيع للغرب وفق سيناريو خارجي –أميركي". وتبنت هذا الموقف لجملة أسباب في مقدمتها القلق من احتمال انتقال شرارة الانتفاضات الشعبية إلى الفضاء السوفياتي، حيث حافظت ديكتاتوريات ورؤيثة للحقبة السوفياتية على موقعها في الحكم. هذا فضلا عن مخاوف من انتقال الانتفاضات إلى روسيا نفسها. وأصر الكرملين منذ الأيام الأولى على أن أي تغيير لنظام الحكم في سوريا أو غيرها يجب أن يجري بموجب القوانين السارية، وضمن عمليات سياسية داخلية، دون تدخل خارجي. وكان لا بد من التدخل في الأزمة السورية لوقف "تمدد" الانتفاضات، وثانياً لتوجيه الأزمة وفق مسار يظهر "الثورات" على أنها مصدر دمار وخراب وتشريد ومآس، لترهيب كل من يفكر بالخروج إلى الشارع ليقول "لا".
ولا يمكن تجاهل حقيقة أن موسكو نجحت في تحقيق معظم الأهداف السياسية لتدخلها في الأزمة السورية، فهي أوقفت تمدد الانتفاضات الشعبية، وجعلت كثيرين "يؤمنون" بأن اي احتجاجات داخلية تكون دوماً مؤامرة خارجية، وأنها لا تأتي إلا بالخراب و "سوريا مثال على ذلك". وبقي أن تحقق موسكو هدفها الأخير وأن تؤكد للعالم إمكانية تحقيق ما خرج متظاهرون لأجله، لكن بطريقة أخرى عبر الحوار السياسي. ولا يعني هذا أن موسكو متمسكة بالأسد كشخص أو كنظام، ولو كانت متمسكة ببقاء الأسد فما الذي منعها إذا من مواصلة القصف الشديد ضد معارضيه، وتثبيت نظام حكمه؟ وهي كانت قادرة على ذلك في ظل التخاذل الدولي. إلا أن روسيا آثرت الحفاظ على جزء رئيسي من المعارضة المسلحة، ليس حبا بالمعارضة التي قضى معظمها نتيجة العمليات العسكرية الروسية، بل لأن روسيا تريد عملية سياسية سورية، يشترط بالضرورة لإطلاقها وجود طرفين، هما المعارضة والنظام، وتلعب فيها دوراً رئيسيا لتبدو بمظهر "صانع السلام".
ومن غير المستبعد أن موسكو التي أعلنت "انتهاء الحرب على الأرهاب" ونصبت نفسها راعيا ومديرا للعملية السياسية، لن تتمسك بالأسد بحال توصل السوريون في مفاوضات جنيف إلى قرار بهذا الخصوص. ولدى بوتين استحقاقات أهم بكثير من الأسد في المرحلة القريبة القادمة، فهو معني بتسجيل انجاز سياسي ضخم على مستوى تسوية الأزمة السورية، لا سيما وهو مقبل على انتخابات رئاسية، كما أنه معني بتسجيل هذا الانجاز على أمل خلق معطيات إيجابية تؤثر على العلاقات الروسية مع الغرب وبصورة خاصة الولايات المتحدة. وأمام هذه الاستحقاقات لا يبدو أن بوتين مستعد للمغامرة أكثر من ذلك "من أجل عيون الأسد" لا سيما وأنه أكد لجميع الأنظمة الحليفة والخصم أنه "رئيس أهل للثقة ولا يبيع حلفاءه" وأظهر أن "روسيا مستعدة لاستخدام القوة العسكرية عندما يتعلق الأمر بمصالحها"، وأنهى عمليا الاختبارات على جميع أنواع الأسلحة الروسية الحديثة "في ظروف حرب حقيقية" في سوريا، وأنجز حملة دعائية ضخمة للأسلحة الروسية عندما استخدمها في سوريا، وتمكن عبر الأزمة السورية من نسج علاقات إقليمية تمنحه موقعاً دوليا مميزاً. لذلك يرجح أن مسالة رحيل الأسد أصبحت شبه مؤكدة، والتوقيت رهن بنتائج مفاوضات جنيف ومؤتمر الحوار الوطني في سوتشي. لكن يبقى احتمال تمسك روسي إضافي بالأسد قائماً بحال طرأت مواقف دولية أو إقليمية لا تتوافق مع أهداف ومساعي السياسة الروسية في سوريا، أو تعرقل التسوية وفق ما اتفقت عليها الأطراف الفاعلة.