إيلي ليك
TT

كوريا الشمالية وسياسة الاستدراج

ثمة سبيلان لفهم الاختبار الصاروخي الذي أجرته كوريا الشمالية، أول من أمس (الثلاثاء)، بعد مرور شهرين من دون وقوع مثل هذه الاستفزازات. تتمثل السبيل الأولى في النظر عبر منظور الماسوشية. يُذكر أن الرئيس دونالد ترمب تهكَّم على الزعيم كوري الشمالي، عبر «تغريدة» أطلقها منذ وقت قريب، وصفه خلالها بـ«البدين» و«رجل الصواريخ الضئيل»، كما أضافت إدارة ترمب لتوها كوريا الشمالية لقائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد 10 سنوات من إزالة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش اسمها من القائمة، خلال مفاوضات كان يجريها مع نظام كوريا الشمالية.
كان هذا المقصود من حديث هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، هذا الأسبوع، خلال مؤتمر في بكين شاركت فيه عبر الفيديو، عندما قالت إنه ينبغي لترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ الامتناع عن إغواء النمر الكوري الشمالي.
وتتمثل السبيل الأخرى لفهم الاختبارات النووية في أنها الأسلوب الذي تحاول كوريا الشمالية، من خلاله، استخلاص مزيد من التنازلات من جانب الغرب، في الوقت الذي لا تقدم في المقابل سوى بضع لحظات من الأمل. وقد سبق لنظام كوريا الشمالية فِعْل هذا من قبل. المعروف أن بوش رفع العقوبات عن كوريا الشمالية عشية المفاوضات معها عام 2007. ورغم خطاب ترمب، بدا واضحاً أن دبلوماسييه يبحثون عن انفراجة في الموقف المتأزّم الراهن. ومثلما أفادت صحيفة «واشنطن بوست» هذا الشهر، فإن المبعوث الأميركي الخاص لكوريا الشمالية، جوزيف يون، قال أمام جمع من الخبراء داخل مجلس العلاقات الخارجية إن الولايات المتحدة تتطلع نحو إقرار تجميد لمدة 60 يوماً في الاختبارات الصاروخية، كمؤشر إيجابي لإعادة إطلاق محادثات مباشرة مع بيونغ يانغ. هل من المثير للدهشة أن تعمد كوريا الشمالية إلى إيهامنا بأمل زائف طيلة هذه الفترة؟
في الواقع، يمثل الاختبار الصاروخي جزءاً من الرقصة الكورية الشمالية، ذلك أن الولايات المتحدة تسعى وراء الدخول في مفاوضات، حتى تقترب من ذلك، لتُفاجأ بكوريا الشمالية تنسحب في اللحظة الأخيرة. وقد ظل النظام الكوري الشمالي ملتزماً هذا النهج لأكثر عن 20 عاماً. على سبيل المثال، سبق أن وافقت كوريا الشمالية على اتفاق جزئي بخصوص البلوتونيوم، أواخر تسعينات القرن الماضي، ولمّحت إلى استعدادها لمناقشة قضية الصواريخ كذلك. وبعد سنوات قليلة، اكتشفت الولايات المتحدة وجود برنامج موازٍ لتخصيب اليورانيوم.
عام 2007، سارت كوريا الشمالية على النهج ذاته من جديد، من خلال مشاركتها في المحادثات سداسية الأطراف. وبالفعل، رفعت الولايات المتحدة العقوبات، وأزالت كوريا الشمالية من قائمة الدول الراعية للإرهاب. بعد ذلك، تردّت الأوضاع. أضف إلى ذلك أن الإسرائيليين والأميركيين اكتشفوا منشأة نووية سورية سرية قدّم بها مهندسون كوريون شماليون مساعدة فنية.
الحقيقة أنه ليس لدى كوريا الشمالية نية للتفاوض بخصوص التخلي عن الرادع النووي. ولم يكن لديها يوماً هذه النية. إلا أنها تبدو عازمة على استخلاص أكبر قدر ممكن من التنازلات من الطرف الآخر، والتخلّص من العقوبات المفروضة عليها من خلال الظهور، وكأنها على استعداد للتفاوض. أما العجيب حقاً فهو أن هذا الأسلوب نجح على امتداد ربع قرن.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»