مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الله لا يعيدها من سفرة

صحيحة تلك المقولة التي تؤكد أنك لا تعرف الرجل على حقيقته إلا إذا سافرت معه.
وهذا هو ما حصل لي مع صديق (على الهامش)، كنت أستظرفه وأتوقع دائماً منه النجابة. وفي ليلة من ليالي الفرفشة، طرحت عليه فكرة أن نترافق في رحلة إلى لندن.
فرحب بالفكرة، وفعلاً سافرنا ووصلنا، واكتشفت عدم قدرته على تحديد الاتجاهات، كما أنه أيضاً كثير التعثر والسقوط، سواء في الشوارع أو المطاعم أو ركوب المواصلات؛ يعني باختصار: (كبّة منيّلة)، إلى درجة أنني غضبت منه يوماً وأنا أرفعه من على الأرض بعد أن تعثر بحافة الرصيف، قائلاً له دون أية مجاملة: الله يرضى عليك يا فلان، امشِ على الأقل مثلما يمشي الحمار. وقد اعتبر للأسف أن نصيحتي هذه شتيمة له، إلى أن هدأت عليه، وبينت له أن وضعية عين الحمار في رأسه تسمح له برؤية حوافره الأربعة بشكل دائم في آن واحد. أما أنت، فلا ترى أبعد من أرنبة أنفك، وهذه هي مشكلتك الرئيسية.
المهم ما لكم بكثير الحكي، فذلك الصديق أصبح عالة عليّ، وأصبحت أنا بالنسبة له (بيبي ستر).
استأجرنا شقة صغيرة مكونة من طابقين: الطابق السفلي فيه المطبخ وصالة الجلوس، والكنبة الكبيرة فيه تتحول إلى سرير؛ وغرفة النوم هي في الطابق العلوي، فاختار هو الطابق السفلي لأنه يحب السهر والفرجة على التلفزيون.
وفي أحد الأيام، استيقظت باكراً للذهاب إلى متحف (فيكتوريا وألبرت) للأعمال الفنية. وبعد أن أخذت دشاً سريعاً وارتديت ملابسي، وما إن وضعت قدمي على أول درجة للنزول لأتناول إفطاري على عجل، إذا بي أسمع صوته وهو يستنجد بي. وما إن شاهدته حتى انفجرت لا شعورياً بضحكات متواصلة، إذ إن المسكين أمضى ساعات رهيبة عالقاً في سريره، فالكنبة التي تتحول إلى سرير قد أطبقت عليه عندما كان يحاول الإمساك بريموت التلفزيون الذي وقع بعيداً عنه على الأرض، وكان طوال الوقت يناديني وهو لا يستطيع الخلاص، في وقت كنت أغط فيه في سبات عميق، والحمد لله أن ظهره لم ينكسر من هذه العفسة، وأشقى بعد ذلك بتمريضه.
ولا شك أنه أسعد حظاً من مسافرة أميركية أمضت عدة ساعات وهي ملتصقة بمقعد الحمام، إذ إن التصريف يتم عبر قوة شفط كبيرة، فبقيت المسكينة على متن طائرة الـ«بوينغ 767» ملتصقة حتى وصلت إلى نيويورك، حيث تمكن التقنيون من تحريرها.
أرجع إلى ذلك الصديق (الدعّلة)... فما إن وصلنا إلى مطار جدة، حتى قلت بيني وبين نفسي: الله لا يعيدها من سفره (وإن عدتك يا مكة مكينيّ).