إيلي ليك
TT

من سيكون الضحية التالية في مقبرة روسيا؟

يأتي اعتراف مستشار الأمن الوطني السابق، مايكل فلين، الجمعة، بكذبه أمام محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي.) بمثابة أنباء مثيرة للقلق بالنسبة للإدارة الأميركية. إلا أن الشخص الأول الذي ربما تشكل هذه الأنباء مصدر تهديد مباشر له، فهو زوج ابنة الرئيس، جاريد كوشنر.
من ناحيتهما، أفاد اثنان من المسؤولين السابقين بفريق العمل المؤقت المعاون لترمب ممن عملا على نحو وثيق مع فلين بأنه خلال الأيام الأخيرة من عمر إدارة أوباما، صدرت توجيهات إلى الجنرال المتقاعد للاتصال بسفراء ووزراء خارجية الدول الأعضاء بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قبل التصويت على قرار يندد بالمستوطنات الإسرائيلية.
وصدرت تعليمات لفلين بمحاولة دفع هؤلاء السفراء والوزراء لإرجاء التصويت إلى ما بعد رحيل باراك أوباما عن الرئاسة، أو معارضة القرار من الأساس.
ويحمل هذا الأمر أهمية خاصة اليوم، لأن واحدة من الأكاذيب التي أدلى بها فلين أمام مسؤولي «إف بي آي» كانت أنه لم يطلب من السفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلياك، إرجاء التصويت على أي قرار من مجلس الأمن. ويصف تقرير الإدانة الصادر من مكتب المدعي الخاص روبرت مولر هذه الكذبة على النحو التالي: «في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2016 أو قريباً من ذلك اليوم، لم يطلب فلين من السفير الروسي إرجاء التصويت أو رفض قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
في ذلك الوقت، اتسم قرار مجلس الأمن بخصوص المستوطنات الإسرائيلية بأهمية كبيرة. ومع أن إدارة أوباما كان أمامها أقل من شهر واحد في السلطة، أصدر الرئيس تعليماته إلى سفيره لدى الأمم المتحدة بالامتناع عن التصويت، ليشكل بذلك سابقة تعود إلى العام 1980، فيما يتعلق بأسلوب التعامل مع القرارات أحادية الجانب المعادية لإسرائيل داخل الأمم المتحدة.
كان ذلك الإطار العام الذي صدرت خلاله توجيهات كوشنر إلى فلين في ديسمبر الماضي. وذكر مسؤول سابق بفريق العمل المؤقت المعاون لترمب آنذاك، أن كوشنر اتصل بفلين ليخبره أن عليه التواصل مع جميع وزراء الخارجية أو السفراء من الدول الأعضاء بمجلس الأمن لإرجاء التصويت على القرار أو التصويت ضده. وعلى ما يبدو، جرى تنسيق جزء كبير من هذا الأمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تشارك مبعوثوه في معلومات استخباراتية مع مسؤولين من فريق العمل المؤقت المعاون لترمب، حول جهود الحشد التي تبذلها إدارة أوباما لحث الدول الأعضاء بمجلس الأمن على الموافقة على القرار.
في الوقت الراهن، من غير الواضح ما يمكن استخلاصه تحديداً من كل ذلك، لكن المعروف أن الكذب أمام «إف بي آي» جناية ودائماً ما تشكل حدثاً خطيراً. كما أننا نعلم من «بيان الاعتراف بالجرم» الصادر عن فلين بأنه كذب أمام عملاء لـ«إف بي آي» كانوا يتولون التحقيق في مسألة تدخل روسيا في انتخابات عام 2016 وأي صلات بين روسيا وحملة ترمب الانتخابية خلال هذه الفترة.
ومع ذلك، لم يرد في بيان الاعتراف الصادر عن فلين أي شيء يسلط الضوء على ما إذا كانت الحملة الانتخابية لترمب تواطأت بالفعل مع روسيا للتأثير على الانتخابات.
من جهتها، أفادت قناة «إيه بي سي نيوز»، الجمعة، أن فلين على استعداد لإخبار فريق العمل المعاون لمولر بأن ترمب من أصدر إليه تعليمات بالاتصال بالجانب الروسي أثناء الحملة الانتخابية ذاتها. وإذا تضمنت هذه الاتصالات رسائل البريد الإلكتروني التي تتهم الاستخبارات الأميركية روسيا بسرقتها من قيادات بارزة بالحزب الديمقراطي، فإن مولر بذلك يكون قد توصل إلى دليل على وقوع تواطؤ فعلي بين الرئيس وعدو أجنبي أثناء الانتخابات. وحينئذ، ربما يجري الكونغرس تصويتاً على سحب الثقة.
إلا أنه من المحتمل كذلك أن يكون اهتمام وزارة العدل بالمحادثة الأولى لفلين مع كيسلياك لأسباب أقل خطورة. من بين النظريات التي روج لها عدد من الديمقراطيين، الجمعة، أن ما حدث يشكل انتهاكاً لقانون لوغان الصادر عام 1799. صدر هذا القانون في عهد إدارة جون آدامز، ويجرم سعي أي مواطن أميركي تقويض السياسة الخارجية لرئيس حالي عبر الاتصال بقوة أجنبية. وحتى يومنا هذا، لم يفلح القانون في إدانة أي أميركي جرت محاكمته بالاستناد إليه. وقد حث بعض المحافظين إدارة جورج دبليو. بوش على محاكمة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي عام 2007 تبعاً لقانون لوغان، عندما زارت الديكتاتور السوري بشار الأسد، في وقت كان البيت الأبيض يحاول فرض حالة من العزلة عليه. إلا أن هذه الجهود لم تثمر شيئاً.
ويفسر قانون لوغان سر اهتمام «إف بي آي» بالمحادثات التي أجراها فلين حول قرار مجلس الأمن بخصوص إسرائيل. وكان هذا ما ذكرته السيناتورة ديان فينستاين، الديمقراطية البارزة داخل لجنة الشؤون القضائية التابعة لمجلس الشيوخ، الجمعة، عندما قالت: «يكشف ذلك دخول معاون لترمب في مفاوضات مع الروس ضد سياسة ومصالح أميركية قبل تولي ترمب منصب الرئاسة، وبعد الإعلان عن أن روسيا تدخلت في الانتخابات. هذا كشف صادم وربما يشكل خرقاً لقانون لوغان، الذي يحظر على المواطنين الأميركيين غير المخول لهم ذلك التفاوض مع قوة أجنبية».
وربما ما سبق يكون كافياً ليس لإسقاط فلين فحسب، وإنما كذلك الرجل الذي تزوج ابنة الرئيس.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»