أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

الخلاف وجودي وليس حدودياً

منذ مساء الأربعاء الماضي، بدأ اليمن استعادة مقعده في الصف العربي، عودة لتصحيح المسار. المعادلة التي كانت تضم فريق علي عبد الله صالح وميليشيا الحوثي من جهة، والحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، طرأ عليها تغيير جذري حين قفز صالح إلى الجانب الآخر من المعادلة، مبدياً استعداده لفتح صفحة جديدة مع جيرانه العرب ومجابهة الحوثي.
ما الذي تغير؟ ولماذا هذا التوقيت؟
أعود بكم إلى تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء متلفز في مايو (أيار) الماضي، حيث ذكر حرفياً: «علي عبد الله صالح لديه خلاف كبير جداً مع الحوثي، ونعرف اليوم أنه تحت سيطرة وتحت حراسة الحوثي، ولو لم يكن تحت سيطرة وحراسة الحوثي لكان موقفه مختلفاً عن موقفه اليوم، بلا شك، صالح لو خرج من صنعاء إلى أي منطقة أخرى سيكون له موقف مختلف». المفهوم من هذا التصريح أن الحوثي المدعوم من إيران بسط سيطرته على تكتل صالح - الحوثي وكان له الكلمة الفصل في إدارة المعركة بفرض إقامة على صالح في صنعاء. ما نعرفه جميعنا أن الحوثي أقلية عددية، تدريبها العسكري متوسط، ولولا الدعم المالي واللوجيستي الإيراني وتدريب عناصر «حزب الله» اللبناني لهم ما كانوا ليسيطروا على نصف متر من الأرض اليمنية. بالمقابل، علي عبد الله صالح استطاع بكلمة منه تجييش القبائل الموالية له، ونفروا تلبية لندائه مقدمين الموت على الحياة. كيف هيمن الحوثي على المراوغ المحنك صالح؟ الجواب كما ذكر الأمير محمد بن سلمان أن الحوثي فرض إقامة وحراسة على صالح في صنعاء، وقلص تحركاته واتصالاته وبالتالي نفوذه.
بعد إطلاق الحوثي لصاروخ باليستي تجاه الرياض، وتلكؤ الأمم المتحدة في حل مشكلة ميناء الحديدة وطرح حجج واهية لاستخدام ميناء عدن كبديل، أصبح تحرير صنعاء من الميليشيات الحوثية الحل الوحيد الذي كان مؤجلاً بحكم سياسة طول النَفَس السعودية. إطلاق الصاروخ عجَّل بمعركة صنعاء، والأكيد أن علي عبد الله صالح أصبح حراً ليبث كلمته الأخيرة، ويعلن انفكاكه عن رابطة الحوثي التي ظهرت واهنة كخيوط العنكبوت.
الحوثي وقع تحت تأثير المفاجأة، والصدمة، ونزل عليه بيان علي عبد الله صالح كصاروخ «شهاب» باليستي، لأن عبد الملك الحوثي، وإيران التي تدير معاركهم عبر البحار، تدرك أن علي صالح له حظوة لدى أكبر القبائل، وأن تحييد حركته واستخدام رجاله هي خطوة أولى كان لا بد منها قبل أن يكون للحوثي موطئ قدم. هذا هو السيناريو الذي استمر لثلاثة أعوام وانفض مساء الأربعاء الماضي بتحرر لسان صالح من الصمت، وخروجه من الشَرَك، وحتى مقتله على يد الحوثي، سيكون دافعاً للقبائل خاصة قبيلته (حاشد)، للثأر له.
معظم اليمنيين لا يدينون بالولاء للحوثي، وحتى من كانوا لا يرون في صالح حاكماً صالحاً، تمنوا لو أمسك بزمام الأمور بدلاً منه. وبدعم التحالف العسكري لقيادات المؤتمر الشعبي نستطيع أن نتفاءل بقرب نهاية الحرب اليمنية، وبداية حوار سياسي مع كل القوى وفق الدستور.
ومع تهنئتنا القلبية لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بمناسبة اليوم الوطني السادس والأربعين، نهنئها أيضاً على فشل الصاروخ الباليستي الإيراني الذي أطلقه الحوثي تجاه المفاعل النووي «براكة» وسقوطه بعد ثوانٍ من إطلاقه. وهذا يجرنا إلى الحديث عن القمة الخليجية المزمع انعقادها اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء في الكويت، فحضور المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مملكة البحرين لقمة الكويت، تقديراً للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وللكويت، وحفاظاً على منظومة مجلس التعاون الخليجي، لا يعني ولن يتضمن حل الأزمة مع تميم بن حمد، الذي سارع فور اندلاع النزاع بين الحوثي وصالح إلى محاولة التوسط بين الجانبين بهدف استمرار وتيرة الحرب في اليمن.
الخلاف مع قطر ليس خلافاً حدودياً أو دبلوماسياً ليتم حله باعتذار أمام كاميرات الصحافيين؛ الخلاف وجودي، متعلق بالأمن الوطني لدول الخليج الثلاث المقاطعة لقطر.. خلاف لا تزال قطر حتى أيام قليلة مضت تمارس ما يعززه مالياً وإعلامياً وسياسياً في اليمن بلا تقدير لوساطة الشيخ صباح الأحمد أو احترام للتجمع الخليجي الذي وضع عليه الكثير من مواطني الخليج آمالهم لحل الأزمة.
لن يستطيع تميم بن حمد تقديم خطوة إيجابية تجاه حلحلة الأزمة، ليس فقط لأنه لا يملك من أمره شيئاً، بل وكذلك لأن النظام القطري الحالي قائم على زعزعة أمن الدول الخليجية والعربية، وهو بذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنه اصطف بملء إرادته إلى محور إيران - «حزب الله» - الحوثي. هذا هو الواقع، فهل يمكن أن نأمل في تغيير النظام الحاكم في إيران لسياسته التخريبية؟ يستحيل، كون هذا النظام مؤمناً بأن قوته تقوم على خراب دول المنطقة حتى يمكنه الهيمنة عليها كما حصل في العراق منذ 2003، ويسعى لحصوله في سوريا منذ 2011. السياسة نفسها والأهداف نفسها بالنسبة لقطر، ويأسنا من تغيير سلوك هذه الأنظمة يجب أن يكون نفسه.