إميل أمين
كاتب مصري
TT

ترمب وأربعاء القدس الحزين

هل يضحى الأربعاء يوماً فاصلاً في تاريخ القضية الفلسطينية؟
كل ما تسرب الأيام القليلة الماضية، من خلال الصحافة الأميركية ونقلاً عن مسؤولين كبار في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يؤكد أن شيئاً ما غير اعتيادي ستجري به المقادير، ويتصل بالقدس زهرة المدائن.
كل السحب المجتمعة فوق البيت الأبيض تنذر بأن عاصفة أميركية هوجاء يمكن أن تهب على الشرق الأوسط، لتطيح بأحلام السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولاً، وتعيق أي أفكار عن سلام مستقبلي بين العرب والإسرائيليين، مرة وإلى الأبد، إذا مضى ترمب في تنفيذ وعده الانتخابي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
يمكن القطع بأن مستشاري ترمب ومساعديه يدركون فداحة الأمر وتكاليفه العالية والغالية على النفوذ الأميركي المتهاوى في الأصل شرق أوسطياً، وقد اعتبر أمل العرب أن ترمب سيعيد الأمور إلى نصابها قدر الممكن، وليس عندهم من قضية جوهرية كما القضية الفلسطينية التي طال من حولها الألم، وتبعثر من حولها الأمل عبر سبعة عقود متوالية.
يجد ترمب نفسه أمام استحقاق لا بدّ أن يفي به لناخبيه ومريديه، يتصل بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، فيما الحكماء والفهماء من حوله ورجال القانون الدولي الأميركيون خاصته يعلمون علم اليقين، أن اعترافه هذا سوف يمثل تبدلاً كبيراً في التوافق الدولي المستمر منذ سبعين سنة، بل ربما يعني للبعض أن جهود البحث عن السلام الضائع بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود أو انتهت مرة وإلى الأبد.
ترمب ليس في حاجة إلى أحد يذكره بأن القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن تعتبر القدس الشرقية أراضي واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعليه فإن نيته الاعتراف على الأقل بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، أمر منبت الصلة بالشرعية الدولية، حتى وإن نظر إليه ترمب على أنه موقف رمزي صغير، لكنه يحمل في باطنه معالم دراماتيكية أكبر وأكثر إيلاماً، سيما أنه لا يمكن أن يكون الفكاك من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس عبر طريق شرعنة الاحتلال.
المتابع للمشهد الأميركي الداخلي يدرك تمام الإدراك أن ترمب في وضع لا يحسد عليه بعد اعتراف الجنرال مايكل فلين الرجل المقرب منه، الذي اختاره ليكون مستشاره للأمن القومي في أسابيعه الأولى، بعلاقته مع الروس، ما يمكن للمحقق الخاص روبرت مولر من شهوة قلبه في إثبات الأمر.
والمؤكد بما لا يدع مجالاً للتحليل أو التأويل أن خطوة مثل نقل السفارة على هذا النحو سوف تصيب العالم العربي في القلب، فالقدس ليست مدينة اعتيادية بالمعايير والمفاهيم الجغرافية أو الديموغرافية، إنها مدينة مقدسات لا تقبل منطلقات التقسيم ولا التجزئة، ولهذا تبقى كرامتها عند العرب في سويداء القلب، والانتقاص من قدرها على النحو المتوقع سيسبب مشاكل للولايات المتحدة في السحة العربية.
منذ زمن التقسيم عام 1947 والقدس تعتبر «مدينة دولية مستقلة»، وإن كانت الحرب التي أعقبت استقلال دولة إسرائيل عام 1948 أدت إلى تقسيم المدينة، وعندما انتهت الحرب عام 1949 جرى وضع ما يعرف بـ«الخط الأخضر» الذي رسم بالفعل بالحبر الأخضر على الخريطة، ليخضع القسم الشرقي من المدينة لسيطرة الأردن، بما في ذلك الأحياء القديمة الشهيرة، في حين وضع القسم الغربي تحت سيطرة إسرائيل.
هل ينهي ترمب هذا الوضع القائم STATUS QUO ويبدل المشهد بوضع قادمPRO QUO مجهول يدخل الجميع في دوامة من العداء العقائدي بداية، وهو عداء مطلق لا توافقات ممكنة من حوله، وتالياً موجة جديدة من العنف والعنف المضاد، في منطقة مهيأة ومن أسف شديد للانفجار في أي لحظة وكل لحظة؟
لعل المشيرون على الرئيس ترمب أن ينبهوه إلى العلاقة الطردية بين أوضاع السلام في الشرق الأوسط وتنامي الإرهاب وتصاعد العنف، ذلك أن غالبية التيارات «الجهادية» التي تؤمن بالعنف باعتباره منهاج حياة وعمل لها، تأخذ من المواقف الأميركية والإسرائيلية تجاه المقدسات في فلسطين تكيّة لإشعال أوار الأصوليات واستنهاض جهودها لمواصلة الإرهاب حول العالم.
انتظر العالم العربي طويلاً جداً رئيساً أميركياً يتسم بالنزاهة والشفافية، ليكون حكماً عادلاً ووسيطاً نزيهاً وسياسياً بارعاً ينهي أزمة الشرق الأوسط حتى يتفرغ الجميع للتنمية والازدهار، وحتى تتمكن واشنطن من مواجهة ومجابهة قوى بعينها لا تغيب عن الأعين في الشرق الأوسط والخليج العربي تريد السيطرة والهيمنة، وتحضر لمعركتها القادمة مع واشنطن، والحديث بوضوح عن إيران، التي ستعظم استفادتها حال صدور هذا الإعلان، فهل هذا هو ما تم انتظاره؟
للرئيس ترمب... الذين يقرأون لا ينهزمون.. فانظر ماذا ترى؟